الجمعة، مايو 08، 2009

متى يعود هتلر


المتأمل للحياة يدرك ان الله جل وعلى عندما خلق الأرض، لم يخلقها ليتم تقسيمها كما هي مقسمة الآن إلى أقطار، فقد خلقها كوكب واحد يسع جميع المخلوقات التي بثها فيه، وحسب اعتقادي ان الأصل هو ان لجميع المخلوقات الحية - وعلى رأسها البشر بالطبع - مطلق الحرية للتجول في هذا الكوكب بحرية وبلا قيود والاستفادة من موارد الأرض إلى أبعد الحدود، وان البشر أول الأمر كانوا يشغلون مكانا محدودا جدا يقال انه كان في منطقة ما من أفريقيا، ثم بعد ذلك تفرقوا بفعل تباعد القارات التدريجي وتنقلهم من مكان إلى آخر. كما ان شكل العالم الكروي دليل آخر على ذلك، فلو كان الله يريد للبشر ان يعيشوا في أقطار متناحرة متفرقة لخلق كل جنسية من أجناس البشر في كواكب مختلفة متجاورة أو جعل بين كل دولة وأخرى حواجز طبيعية كالأسوار مثلا.
وقد عاشت جميع الكائنات بهذه الحرية طيلة قرون طويلة، حتى كثر عدد البشر وتطورت وزادت أطماعهم، فكونوا الإمبراطوريات والمماليك ووضعوا حدودا لما يدعون ملكيته من أراض. وتوج هذا النسق المتسم بالطمع بظهور الحقبة الاستعمارية البغيضة التي عمدت إلى تقسيم العالم إلى أقطار بالشكل الذي نعيشه الآن، وكل هذا يخالف حكمة الخالق حسب تقديري، الأمر الذي أخل بكثير من عوامل التوازن الضروري والسلام والطمأنينة والاستقرار الغذائي بين سكان هذا الكوكب.
وثمة دليل آخر على ذلك هو ان الله تعالى عندما انزل كتبه السماوية، انزلها على الناس كافة ولم يقصد بها قوم بعينهم، وهذا يتناقض طبعا مع القطرية الضيقة وما يسمى بوهم الوطنية، فالفطرة ان جميع أراضي العالم هي ملك لكل كائن بشري ولكل مخلوق متى ما استطاع ان يصل إلى أي بقعة فيه، وكان يمكن ان يتم ذلك وفق قوانين تنظيمية معينة أكثر عدلا مما نراه اليوم، وان لا حق لأي أحد ان يمنع أي شخص من التنقل بحرية إلى أي مكان في الكرة الأرضية متى ما امتلك الوسيلة المناسبة لتنقله يرى انه قد طاب له العيش في مكان معين.
صحيح ان القوانين المنعية التي وضعها الناس فيما بينهم للحد من انتقالهم من دولة إلى أخرى، وضعت للتنظيم وللحد من الجرائم وما إلى ذلك، لكن هذا المنع وضع قيودا لا داع لها في وجه من يرغب التنقل بحرية من دولة إلى أخرى. كيف يستقيم منع الناس من التنقل بحرية بينما يريد الله ان تنتشر دياناته في جميع أنحاء الأرض؟ وكيف يحدث ذلك وكل البشر ينحدرون من صلب رجل واحد وام واحدة؟
في اعتقادي انه كان سيكون العالم أجمل وأروع لو انضوت جميع ما يسمى بالدول إلى حاكم واحد أو مجلس حكم يتم تعيينه ديمقراطيا من قبل جميع سكان الأرض، يضع قوانين ودستورا واحدا لإدارة هذا العالم بغض النظر عن ما يؤمن به الحاكم من دين وفكر، وان يكون لمجلس الحكم هذا ممثلين في جميع الدول يرأسهم حاكم في كل إقليم يعينه حاكم العالم ليأتمر بأمره وفق دستور عادل وآلية حكم دقيقة يتفق عليها جميع سكان الأرض.
هذا الجنون الذي أقوله هنا جعلني أتذكر قائد الحرب العالمية هتلر وغيره من حكام في الأزمنة السحيقة التي حكموا أو حاولوا مثله حكم العالم. تُرى كيف كان سيكون شكل العالم لو قدر لهذا القائد الجريء هتلر ان ينجح في مخططه لجعل كل العالم في قبضته؟ وماذا كان سيحدث لو كان هتلر رجلا ديمقراطيا ونشر الديمقراطية في جميع بقاع الأرض بعد ان يتمكن من السيطرة على العالم؟ هل كان سيكون هناك تعصبا وحروبا وما يسمى بالنعرات الوطنية او حتى الازياء الوطنية، وما يدعيه من يكرهون الدين الإسلامي بأنه دين شرق أوسطي عربي على الرغم من ان كل الديانات السماوية الأخرى شرق أوسطية سطع نورها على العباد من منطقة واحدة. لا اعتقد أننا كنا سنشهد هذه الوحشية تجاه ديانات معينة إذا كان على رأس العالم نظام حكم واحد، وتم حكم العالم بالديمقراطية ووفق دستور أهم أسسه حرية المعتقد والحرية في كل شي ما دام ان حرية الشخص تقف عند حدود حرية الآخر. واجزم انه لكان العالم كله قد توحد تحت راية الإسلام لأن الديمقراطية العادلة كانت سترجح كفة كل ما من شأنه يخدم مصلحة سكان العالم، وان كثير من المفكرين وصناع القرار حاليا يعلمون ان الإسلام لو طبق بطريقة نموذجية على كل العالم كما يريد الخالق تعالى لتجنب البشر الكثير من الشرور، لكن ذلك طبعا يعطل مصالح الكثيرين الذين لا يريدون ان يروا عالما مثاليا لأنهم سيخسرون، واقرب مثال لطمع هؤلاء هو الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم الآن نتيجة للنظام الرأسمالي الفاسد والقائم على التعامل الربوي الذي ساد العالم نتيجة لجشع أناس معينين يستفيدون من هكذا نظام اقتصادي.
قد يقول قائل ان الحياة كانت ستكون أكثر بدائية، وان وتيرة التطور والتقدم التي نشهدها حاليا كانت ستكون معدومة لأن التنافس الموجود حاليا بين الدول سينعدم، ولكني أقول ان التنافس سيكون موجودا بين سكان كل إقليم وآخر لأنها غريزة في البشر كأفراد، لأنه يمكن ان يحل ذلك بوضع محفزات لكل مجموعة بشرية تسهم في اكتشاف أي كشف جديد أو تطور أي منتج جديد وفق آليات دقيقة. ولكان العالم ارتاح من الحروب، ولما عرف البشر مصانع الأسلحة، ولما تراكمت كل هذه الترسانات التي كلفت العالم قدرا هائلا من الموارد والجهود، ولكان كل ما انفق فيها تم توجيهه إلى إعمار الأرض وأقاليمها جميعا بالتساوي وبالتالي لن يوجد ناس يموتون من الجوع أو الأمراض الوبائية الناجمة عن الفقر والعوز، وبالتالي تقليص الجريمة إلى أدنى مستوياتها، لأنه سيتم سن قوانين حسب الدستور تجعل جميع البشر متساويين في حصولهم على ضروريات الحياة المتوفرة والمتجددة بشكل دائم، ولكان من السهل جدا منع ترويج أي مواد ضارة بصحة الأفراد مثل المخدرات والسجائر بفعل القوانين الصارمة وانعدام التنافس البغيض الذي يقوم على أكل الضعيف وإخضاعه والاستهزاء به من قبل القوي.
تخيلوا إذا تم المخطط التآمري الانقلابي الذي أتوهمه، وتحول إلى حقيقة بفعل رجل أحمق مثلي أو مجموعة رجال حمقى بعد مائة عام من الآن، حيث سيكون العالم مختلفا كثيرا في ذلك الزمان بفضل التطور الهائل والتقنية العالية التي ستضع بصماتها في كل شي فيه، وتحسن العوامل اللوجستية لتنقل البشر من مكان الى اخر، وكم ستبلغ سرعة وسائل المواصلات، وإلى أي درجة ستكون مريحة. عندما تكلل الجهود في صنع وسائل تسبق سرعة الضوء في تنقلها وبالتالي تطوع الزمن، تخيلوا معي سهولة تنظيم العالم في ذلك الوقت، فمثلا سيكون من السهل جدا ترحيل سكان اقليم ما يتعرضون لكوارث طبيعية قاهرة، أو تخصيص اقاليم بعينها للإنتاج الزراعي وترحيل او حث معظم سكانه الذين لا يعملون في المجال الى مناطق صاعية اخرى تتناسب مع مهنهم في كل منطقة حسب توفر الموارد، وبناء خطوط سكك حديدية لقطارات ذات سرعات فائقة تربط جميع الأقاليم، عابرة للقارات وتسير في أنفاق تحت المحيطات والبحار، وابتكار مركبات فضائية تطير مثل الطائرات بسرعات هائلة جدا لتقابل العدد الهائل لسكان العالم الذي سيزيد في ذلك الوقت إلى أضعاف مضاعفة بسبب تحسن نوعية الحياة وزيادة متوسط عمر الإنسان.
تُرى هل سيعيد التاريخ نفسه ويخرج من رحم البغضاء الذي يسود العالم حاليا رجلا شجاعا مثل هتلر يخضع العالم تحت سيطرته، خصوصا ونحن نشهد الآن مؤشرات لسطوع نجوم قوىً جديدة في العالم منافسة للقوة الوحيدة الموجودة حاليا! تُرى ما الذي يحمله لنا المستقبل البعيد في هذا الجانب؟ خصوصا وان التكنولوجيا والاكتشافات العلمية المذهلة لن تقف عند حد معين وان العالم أصبح قرية صغيرة حقيقة وليس مجازا، وهو صائر لأن يصبح أصغر وأصغر كلما تقدمت التكنولوجيا، فربما تعين هذه التكنولوجيا بعد قرن من الزمان رجلا ما أو مجموعة ما على تنفيذ هذا الهذيان الفكري الذي يعتورني بين الفينة والأخرى.
هذا سؤال مُلح لطالما شغل فكري كثيرا.
الإمبراطور حيدر

0 التعليقات:

إرسال تعليق