الأربعاء، مايو 13، 2009

تغطية المرأة لوجهها وكفيها

أنا لست ضد حرية اختيار الأنثى للبسها الذي تريده حسب نظرتها الشخصية للزي الإسلامي، سواء أرادت ان تغطي جسمها كله، أم أرادت ان تلتزم بالزي الإسلامي المحتشم مع الكشف عن وجهها وكفيها، ولكني ضد ان يخرج علينا نفر من الناس في عالمنا الإسلامي ويحاولون لوي عنق الحقائق في ديننا الإسلامي السمح ويجبرون الإناث على تغطية وجوههن، كما إنني مع حق التعبير وإبداء الآراء بغير تشدد، وحق الاجتهاد لكل من تنطبق عليه شروط الاجتهاد، وأؤيد بشدة حق أي شيخ يريد ان يثبت صحة وجهة نظره فله ذلك، ولكن من دون محاولة تسفيه آراء الآخرين وادعاء أن رأيه هو الصواب وآراء الآخرين ضرب من العبث، عندما يتعلق الأمر بكشف الوجه واليدين بالنسبة للمرأة أو أي أمر آخر فيه اختلاف لان الدين يسر ووسط، وكما نعلم ان كشف الوجه واليدين بالنسبة للمرأة من الأمور المختلف عليها منذ قديم الزمان وسيظل الناس كذلك حتى قيام الساعة وهذا أمر طبيعي في كل شيء. خصوصا عندما لا توجد أدلة واضحة تثبت وجوبه، واعتبار من لا تلتزم بالتغطية آثمة وخارجة عن الملة كما يتطرف في ذلك كثير من الشيوخ في عالمنا الإسلامي هدانا الله وإياهم.


وفي اعتقادي ما دام ان الأمر غير ثابت وفيه لبس ومختلف عليه وفي تفسيره، وان الله تعالى لم يفصل فيه في القران الكريم بكلام واضح وصريح كالخمر مثلا، اعتقد ان الأمر يجب ان يترك لاختيار النساء إذا أردن ان يغطين وجوههن فليغطين من باب حرية الاختيار وزيادة الفضل، ومن أرادت ان لا تغطي وجهها وكفيها فهذا أيضا خيارها هي وحدها وليس لأي احد سلطة عليها، وان لا توصف بأنها آثمة أو مخلة بشرط من شروط الزي الإسلامي، ويدخل في ذلك أيضا اختيار أي ألوان أخرى غير اللون الأسود، ما دام انها ستلبس لون غير صارخ وشاذ، وما دام ان الزي الذي ترتديه المرأة المسلمة تنطبق عليه الشروط المعروفة من انه لا يشف وغير ضيق الخ.. ومن الجانب الأخر أنا ضد العري والتعري وضد ان تظهر أي امرأة مهما كانت أي شيء آخر من جسمها غير الوجه والكفين لأن هذا فيه تعدي على حرية الآخرين، عندما تقصد المرأة بذلك الفتنة وحتى ولو أنكرت نيتها أنها لا تقصدها. وأتحدى ان يثبت لي أي إنسان ان رؤية وجه أنثى طبيعي خالي من المساحيق واحمر الشفاه وتشويه للحواجب والرموش والتبييض وتحولها إلى شبه مسخ يمكن ان يثير الرجال جنسيا مثل كشفها لنصف ثدييها وشعرها ونحرها وإبداء مؤخرتها وهزها هزا بفعل الكعب العالي عندما تسير في الطريق وهي ترتدي سروالا ضيقا يظهر تقاطيع فرجها من الخارج أو بلوزة بالكاد تغطي وركيها. وتقول أنها حرة، والمسكينة لا تعلم ان حرية الإنسان تنتهي عند حدود حرية الآخرين، أي بمعنى أنها ليست حرة في ان تعرض مؤهلاتها المثيرة من خلال التلفزيون أو بسيرها في الطريق العام لمراهق ليبحلق فيها ويستثار جنسيا وتعذبه من دون ان تمكنه من نفسها ليمارس معها الجنس، فما دام أنها بدأت المشوار لماذا لا تكمله حتى النهاية، أو تسكت عندما يقوم هذا المراهق المسكين بالتحرش بها أو يغتصبها؟


ولقد اطلعت على بحث الباحث في الشئون الإسلامية المعروف عبد الرحمن الخطيب في جريدة الحياة اليوم، والذي عودنا على تناول المواضيع الإسلامية الشائكة المختلف عليها بموضوعية وعقلانية وحكمة، والمقال هو الجزء الأول من جزأين ربما سينشر الجزء الثاني غدا أو في يوم آخر، وقد فند الأخ عبد الرحمن جزاه الله خيرا موضوع عدم إلزام تغطية الوجه والكفين بمنتهى الموضوعية كعادته وبأسلوب هادئ وعلمي وعقلاني، بدون لي لعنق الحقائق والمعاني كما يفعل كثير من شيوخنا الكبار في كثير من الأمور في عالمنا الإسلامي، ثم يمر الزمن وتجدهم انصرفوا عما نادوا به مثل تأثيمهم لمن يشاهد القنوات الفضائية أول ما بدأت في الظهور، ثم باتوا في آخر الزمان يتسابقون في الظهور من خلال هذه القنوات.


وقد أورد الخطيب في هذا البحث كما ترونا أدناه دلائل منطقية تؤكد على الحقيقة والمنطق الذي تعلمناه منذ الصغر عن الحديث المنسوب للرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ما معناه أن المرأة عندما تبلغ المحيض لا يرى منها هذا ولا هذا وأشار إلى الوجه والكفين، وحتى ولو قالوا ان الحديث ضعيف، فهذا لن ينفي منطقيته ناهيك عن الكثير من الأدلة من القران والسنة التي تدحض هذا الإلزام، هذا غير وجود الغالبية العظمى من الإناث المسلمات في العالم الإسلامي اللاتي يلتزمن بالزي الإسلامي الذي تنطبق عليه معظم الشروط التي لا يختلف عليها أي مسلم وهي تغطية المرأة لجميع جسدها ما عدا الوجه والكفين. كما انه ليس من المنطقي ان نعتبر ان كل هؤلاء النسوة الغير مغطيات لوجوههن على خطأ وان النسبة القليلة من النساء اللاتي يغطين وجوههن وأيديهن هم على صواب. وابسط أمر لإنسان عادي مثلي هو التناقض الذي ليس بعده تناقض المتمثل في إباحة المرأة كشفها وجهها وهي في اطهر بقعة في الأرض في بيت الله الحرام عندما تحرم وتكون أكثر قربا من الله عز وجل من أي مكان آخر، فكيف يلزمونها بالتغطية وهي بعيدة عن بيت الله؟ لا أريد ان أفتي بغير علم لأنني لست أهل لذلك إنما هذه فقط مجرد انطباعات ومشاهدات يمكن لأي رجل شارع عادي ان يتأملها، واترك زوار مدونتي الكرام الإطلاع على مقال الأخ عبد الرحمن الخطيب ليحكموا بأنفسهم، وسأحاول إنشاء الله نسخ الجزء الثاني ولصقه مع هذا الجزء عندما يتم نشره ويمكن العودة لنفس الإدراج لقراءة الجزء الثاني:

عبد الرحمن الخطيب *

نشرت صحيفة «الحياة» بتاريخ 1-5-2009 خبراً مفاده بأن 23 داعية في المملكة طالبوا وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة بمنع النساء من الظهور على التلفاز. وقال أحدهم: لا نرى داعياً لحضور المرأة في القنوات الفضائية؛ لأن ذلك غير جائز لها، كما لا يجوز نظر الرجال الأجانب إلى المرأة في التلفاز، حتى ولو من أجل متابعة الأخبار. ويمكن الاستعاضة عنها بالسماع في الإذاعات، أو بحجب الصورة التلفازية إن استطاع. فإن لم يستطع فلا يجوز له سماع الأخبار؛ لأنه ما دامت كشفت وجهها فلا يجوز النظر إليها. وأن لديه من الأدلة ما يكفي لإقناع كل أحد.

إن قضية الخلط بين معاني الحجاب، والخمار، والجلباب أصبحت شائعة، حتى إن كلمة حجاب أصبحت تُطلق على هذه المفاهيم الثلاثة دون تفريق. في القرآن الكريم توجد ثلاث آيات حول هذا الموضوع؛ آيتان في سورة النور، وآية في سورة الأحزاب. الأولى وردت بلفظ الحجاب، والثانية بلفظ الجلباب، والثالثة بلفظ الخمار، ولكن مقصد اللفظ في كل آية مختلف تماماً عن الأخريين.

الآية الأولى والوحيدة التي وردت فيها كلمة حجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)، وقد أجمع العلماء أن المقصود فيها نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقط، إذ يجب عليهن أن يحجبن وجوههن فضلاً عن بقية البدن. أي إن المعنى الأصلي للاحتجاب هو حماية نساء النبي من لقاء الرجال الأجانب دون حجاب، والابتعاد بشخوصهن تماماً عن أبصار الرجال. وهذا ما فهمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المقصود بالحجاب. فعندما توفيت حفصة ابنته زوجة الرسول سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب، رضي الله عنها، جعلت لها قبة فوق نعشها ليستتر شخصها. أكد الإمام ابن حجر خصوصية الرسول عن بني البشر بقوله: «وفي الحديث - يقصد حديث نزول آية الحجاب - من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين. قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به - يقصد أزواج النبي - فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين... والحاصل أن عمر وقع في قلبه نفرة من إطلاع الأجانب على الحريم النبوي، حتى صرح بقوله له «احجب نساءك»...فقال له عمر: يا رسول الله لو اتخذت حجاباً، فإن نساءك لسن كسائر النساء، وذلك أطهر لقلوبهن». وهو دليل على أن الحجاب نزل في نساء الرسول خاصة. عن أنس بن مالك: «أن النبي لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية بنت حيي قال الصحابة: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقالوا: إن يحجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد… الحديث». وحديث زواج الرسول من ريحانة بقوله: «فأعتقها رسول الله وتزوجها، وكانت من نسائه يقسم لها كما يقسم لنسائه، وضرب رسول الله عليها الحجاب». نلاحظ في هذه الأحاديث، وغيرها الكثير، التركيز على جملة «وضرب عليها الحجاب»، لأنه لو كان هذا الفعل اعتيادياً في بقية النساء لما كرره الرواة كثيراً في أحاديثهم عن زوجات الرسول.

إن حديث عائشة، رضي الله عنها: «كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات.. الحديث»، والذي استند إليه كثير من القائلين بوجوب ستر الوجه، فيه دلالة كبيرة على أن تخصيص الحجاب كان لنساء الرسول، لأن عائشة لم تكن تقصد إلا نساء الرسول، اللاتي كنّ برفقتها وبجوارها، واللصيقات بها. والدليل ما جاء في «صحيح البخاري» عن عبدا لرحمن بن عوف قال: «أرسلني عمر وعثمان بأزواج رسول الله، فكان عثمان يسير أمامهن فلا يترك أحداً يدنو منهن ولا يراهن إلا من مد البصر، وينزلان في فيء الشعب ولا يتركان أحداً يمر عليهنّ «. وفي رواية الوليد بن عطاء قال: « كان عثمان ينادي، ألا يدنو إليهن أحد ولا ينظر إليهن أحد... الحديث». وفي حديث أم معبد قالت: «فنزلن بقديد قريباً من منزلي، اعتزلن الناس وقد ستروا عليهن الشجر من كل ناحية». هذه الروايات وغيرها تبين خصوصية حديث عائشة، رضي الله عنها، بأن النهي عن النظر كان لنساء الرسول دون غيرهن. ولم يذكر مؤرخو السيرة النبوية أن هناك من النساء من كنّ برفقة الرسول في حجة الوداع، وفي ركب أمهات المؤمنين من النساء، غير زوجاته أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن وأرضاهن، وإمائه. وهذا دليل على صحة رأي من قال بتخصيـص الحجاب لنساء الرسول، وليس العكس. ومن أنكر ذلك فعليه إثبات من هنَّ النساء اللواتي كنَّ ملاصقات لعائشة غير زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن؟

حديث أم سلمة، رضي الله عنها، أنها كانت عند رسول الله مع ميمونة قالت: «فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب». فذلك الصحابي الأعمى ابن أم مكتوم الذي أمر النبي أزواجه بالاحتجاب عنه، هو نفسه الذي أمر فاطمة بنت قيس بقضاء عدتها في بيته حين طلقها زوجها بقوله: «اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك «. قال ابن حجر: «إن حجة النبي منع نسائه من الدخول على ابن أم مكتوم لعله كان منه شيء ينكشف ولا يشعر به». ويلاحظ أن النبي لم يطبّق على فاطمة ما كان قد طبقه على أزواجه. فضلاً عن أن المعتدة تكون أحكامها مشددة أكثر من غيرها في مثل تلك المسائل الفقهية. كما أن ما يؤكد خصوصية نساء الرسول بالحجاب، السماح لهن بالجهاد قبل نزول آية الحجاب. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: « لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان». بينما في المقابل رفض النبي الإذن لهن بذلك بعد نزول آية الحجاب. فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لَكُنَّ أفضل الجهاد، حج مبرور». بينما سمح لغيرهن في الجهاد في غزوة حنين وغيرها.وإذا تتبعنا الأحاديث الصحيحة فيمن ضُرب عليهن الحجاب، لا نجد إلا أسماء زوجات الرسول رضوان الله عليهن. ولا يوجد حديث واحد يشير إلى أن النساء عامة كنّ يحجبن وجوههن عن الرجال. وإذا علمنا أن الأحاديث الشريفة السالفة الذكر وغيرها تبين بجلاء خصوصية حجب وجوه نساء الرسول عن الرجال، ففي المقابل هناك أحاديث كثيرة تشير إلى أن النساء عامة كنّ سوافر الوجوه. فأغلب الأحاديث النبوية تشير إلى أن الرسول كان يعرف وجوه النساء اللاتي يكلمهن، ويناديهن بأسمائهن. وقد أحصيتُ 112 حديثاً كلها تتضمن كشف النساء لوجههن في زمن الرسول والخلافة الراشدة. ولنأخذ، على سبيل المثال، حديث ابن عباس: «أن امرأة استفتت رسول الله في حجة الوداع «يوم النحر»، والفضل بن عباس رديف رسول الله.... فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها - وكانت امرأة حسناء – «وتنظر إليه»، فأخذ رسول الله بذقن الفضل فحوّل وجهه من الشق الآخر». وفي رواية أخرى: «فكنت أنظر إليها، فنظر إليَّ النبي، فقلب وجهي عن وجهها، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها، حتى فعل ذلك ثلاثاً وأنا لا أنتهي». وفي «المحلى» قول ابن حزم: « فجعل رسول الله يصرف وجه الفضل عنها ولم يأمرها بستر وجهها، ففي هذا إباحة النظر إلى وجه المرأة لغير اللذة «. وهذا الحديث وغيره يستدل به على أن نساء المؤمنين عامة ليس عليهن من الحجاب ما ألزم به الشارع أزواج النبي، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي المرأة الخثعمية بالاستتار بدل أن يأمر الفضل صرف وجهه إلى الطرف الآخر. كما أن هذا الحديث فيه دليل قوي وحجة ثابتة، أن ستر الوجه لا يُلزم النساء مهما بلغن من الجمال، حتى وإن خُشي منها الفتنة، رداً على من قال بهذا الشرط. قال ابن بطال: «في الحديث الأمر بغضّ البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع. وهذه الحادثة أيضاً وقعت في أواخر عهد النبي، أي بعد آية الحجاب، ولم يُروَ حديث بعدها عن الرسول الكريم حول هذا الموضوع، مما يجعل الحكم ثابتاً ما طرأ عليه نسخ ولا اجتهاد. وقد أجمع العلماء أن استنباط الأحكام الشرعية إنما تؤخذ من الأحاديث المتأخرة لا المتقدمة، عملاً بأحكام الناسخ والمنسوخ. كما أنه لا يمكن الطعن بصحة الحديث، لأنه حديث صحيح مرويٌ من وجوه عديدة، ورجال الحديث كلهم ثقات.

* باحث في الشؤون الإسلامية

0 التعليقات:

إرسال تعليق