الجمعة، مايو 08، 2009

الإنسان حيوان وحشي

ثمة تناقض صارخ نعيشه، في مناداتنا بنبذ الوحشية والتجبر والظلم والطغيان الذي تقوم عليه الحياة، فكيف للبشر ان ينادوننا بذلك، والعالم قائم على هذه السلوكيات البغيضة الضرورية؟ نظرة سريعة على ما يرتكبه البشر تجاه المخلوقات الأخرى من وحشية وتجني وظلم، تُنبئنا بأن ما ندعو إليه مستحيل، فلننظر كيف يستبيح البشر الحيوانات والنباتات وكل ذي روح رطبة وغير رطبة، وحتى عناصر الطبيعية التي نعتبرها غير حية ولكنها حية بمعايير أخرى كطبقة الأوزون والجبال والمياه وغيرها، بغرض الغذاء والعيش والبقاء وبغرض أغراض أخرى لا تمت للغذاء الضروري بصلة، ويمكن للإنسان ان يرتكب في سبيل ذلك أفظع جرائم القتل والإبادة وسفك الدماء لإشباع رغباته الجموحة.
لا غرابة والحال كذلك ان نجد البشر يمارسون نفس هذه الهواية الدموية التي جبلوا عليها ليحافظوا على بقائهم أحياء ضد بعضهم البعض، من اجل التنافس حبا في التنافس، وما يفضي إليه ذلك من جرائم بشعة في حق الآخرين سواء كانوا بشراً أو مخلوقات أخرى، وفي الواقع ان جميع المخلوقات تمارس هذه الوحشية البشعة، فنجد الحيوانات في الغابة تقتل بعضها البعض للبقاء، والزلازل تدمر أجزاء كبيرة من الأرض في كل عام، والعواصف والأعاصير تدمر جوانب كثيرة من الطبيعة الخ.. نفس الأمر ينطبق على البشر عندما يشنون الحروب على بشر آخرين مسالمين اضعف منهم، وفق سياسة أقل ما توصف أنها سياسة غاب، وقد حدث ذلك منذ ظهور أول مجتمع بشري (قابيل وهابيل) واستمر حتى يومنا هذا، بل منذ ان خلق الله الأرض بل والكون وكل من عليه، وسيستمر الأمر على هذا المنوال حتى تقوم الساعة. لعل هذا ينطبق مع ناموس الحركة الذي يقوم عليه الكون، وتطورت أدوات الحرب البشعة بدءا من رماح بسيطة مصنوعة من عيدان النباتات والحجارة إلى أسلحة متطورة اشد فتكا ودمارا، والغريب في الأمر إننا نمارس هذه الفظاعات ولكننا ننكر ذلك عندما نتشدق ونؤكد على ضرورة التزامنا بالسلم.
ان الحياة عبارة عن ساحة حرب كبيرة يأكل فيها القوي الضعيف، تتدرج فيها أنواع الحروب هذه... من حسد وظلم وصولا إلى إقصاء للآخر والقتل، وهذا واقع معاش رغم محاولتنا إنكاره، ولن تقوم لأي مخلوق قائمة إذا لم يمارس ذلك مهما كان حجم البشاعة التي يمارسها، بدءا من قتلنا الحيوانات والنباتات لأكلها والتلذذ بالقضاء عليها، مرورا بما يبدر منا من ممارسات أنانية تجاه بعضنا البعض تنطوي على حب النفس والدوس على الضعفاء دون ان تهتز للدائس شعرة، ومرة اخرى هذا ينطبق على جميع المخلوقات بما فيها الإنسان، وعلينا ان نتعايش مع هذا الواقع ولا نكذب على أنفسنا وندعي غير ذلك.
ما دعاني إلى كتابة هذه التأملات هو مقاطع الفيديو المرفقة هنا، والتي تتبدى فيها الوحشية بأفظع صورها بغض النظر عن سبب ذلك... عندما ينقض هذا النسر الضخم على الحمل الوديع، تماما كما ينقض أي مجرم عتيد على إنسان لا حول له ولا قوة، فيسلبه ماله ثم يقضي على حياته في لمح البصر كي لا يدل عليه لاحقا. وكذلك الصور المرفقة لظاهرة قتل الدلافين في الدنمارك، الدلفين صديق الانسان والمحرم قتله دوليا، هؤلاء السفلة الذين يدعون التحضر يرتكبون مجازر في حق هذه الدلافين المسالمة والوادعة.
ما الفرق بين هذا المجرم السفاح، وبين هذا النسر او قتلة الدلافين في الدنمارك، وبين التاجر الجشع الذي يحتكر السلع الضرورية، فيتسبب في ارتفاع أسعارها لتصبح عصية على الفقراء، مما يحول دون وصولهم إليها، فيموتون من الجوع، وما الفرق بين هذا النسر وبين الدول التي تسمى بالعظمى، ومعظمها في حقيقة الأمر ما هي إلا سوى دول تمارس الظلم والتقتيل والطغيان في سبيل مصالحها فقط، ولا يهمها للوصول إلى ذلك... ان تستباح أرواح الآلاف، وتدمر قدر كبير من الطبيعة، ولا يهمها ان تفقر شعوبا بكاملها، وتحتل أراضيهم ومزارعهم كما حدث في أمريكا عندما أباد اليانكيين السكان الاصليين الهنود الحمر، وكما حدث وما يزال يحدث من قبل اليهود تجاه الفلسطينيين، وكما حدث من الدول الأوروبية وغير الأوروبية التي مارست الاستعمار بأبشع صوره إبان الحقبة الاستعمارية السوداء، فأبادت عشرات الآلاف من دول العالم الضعيفة، وأقامت معظم بنيتها التحتية بموارد هذه الدول وعلى أنقاض إذلالهم، وأجبرت السكان على العمل بطريقة السخرة لتحويل هذه الموارد التي سلبتها من أراضيهم إلى بنى تحتية شكلت النواة الأساسية لنهضة هذه الدول الصناعية والحضارية، ومارست سياسة الرق والعنصرية بأبشع صورها في سبيل تنفيذ مصالحها الأنانية، ضاربة بعرض الحائط حقوق من يبطشون بهم. أما إذا عدنا القهقرى إلى التاريخ السحيق والقريب، فسنجده لا يقل بشاعة عما مارسته هذه الدول الاستعمارية، وفي اعتقادي ان ذلك ضروري لاستمرارية هذه الحياة المتناقضة.
ضروري... كحقيقة لابد ان تقال، على وزن لا يفل الحديد إلا الحديد، فإن للوحشية والعنف فوائد عظيمة للبشرية، بل للمخلوقات جميعا، إذ تستخدم كعلاج باتع ورادع عندما تمارس على المجرمين بسجنهم وتعذيبهم، وتنفيذ عقوبات وحشية في حقهم كالجلد والإعدام، فيكون ذلك بمثابة درس لكل من تسول له نفسه ارتكاب فعل مشابه في حق أناس أبرياء آخرين. كذلك تستقوي الدول ببناء الأساطيل والجيوش الجبارة واشد أنواع الأسلحة فتكا، فيحدث ذلك التوازن المنشود حتى لا تجرؤ دول أخرى للاعتداء عليها، كما لا ننسى استخدام الوحشية والعنف في تربية الأبناء، بغرض تجنيبهم عادات ضارة لمصلحتهم، وغير ذلك الكثير من اوجه ممارسة الوحشية بدرحات متفاوتة.
انه حقا لعالم بشع رغم ما تتشدق به الكثير من هذه الدول من ديمقراطية وتحضر، ومن المفترض ان تكون هذه المبادئ التي ينادون بها نقيض للوحشية وسفك الدماء الذي يمارس في كل بقاع الأرض. علينا ان نتعايش مع هذه المسلمات، وان نكف عن التظاهر بعكس ذلك، وان يدرك أي إنسان، بل أي مخلوق في هذا الكون ان حياته قائمة على قانون الغاب أو البقاء للأقوى والأصلح، وهي حياة تحفها المخاطر من كل حدب وصوب شئنا أم أبينا، والمخلوق الذكي، إما ان يكون قويا فيتمترس خلف قوته حتى يأتي من هو أقوى منه وربما يكون الموت والذي هو نوع من انواع الوحشية الذي ياتي بعدة صور، أو يحاول التكيف للتعايش والزوغان في كثير من الأحيان من الأخطار المحدقة به، فينحني صاغرا عندما تهب صوبه العواصف والمحن والخطوب والبلاوي وكل مكائد التدمير والقتل، وهو وحظه... إما ان تخطئه أو تصبه، ولا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار... وليس هناك لون رمادي هنا... فقط لون احمر قاني، أي لون الدم مثل هذا اللون الذي تقرؤون به هذا الإدراج المتشائل.
كلنا ندرك ان داخل كل منا مورثة أو جينة من الوحشية، تختلف في الحجم والتصميم من مخلوق إلى آخر ولكنا نتظاهر بغير ذلك - الامبراطور حيدر

ملحوظة
عند انتهاء مقطع الفيديو ستظهر مقاطع فيديو اخرى تعطي بعدا اخر لهذه المآسي يمكن مشاهدتها ايضا.




0 التعليقات:

إرسال تعليق