الجمعة، مايو 08، 2009

كفى تشدّداً في الدين

نشهد بين الفينة والأخرى تراجعاً عن كثير من الفتاوى، وغض الطرف من قبل الشيوخ وأولي الامر عن ذم مزاولة نشاطات وسلوكيات معينة في حياة المسلم اليومية. أولا وقبل كل شيء، انه لا يشك مسلم أبدا في ان كل الفتاوى وجميع الاجتهادات المختلفة وكل هذا الكلام الطيب منطقي، ويصب في مصلحة المسلمين بغية تحصينهم وهذا لا جدال فيه، وان ما يدفع هؤلاء الشيوخ إلى ذلك هو حسن نيتهم ومحاولتهم خلق مجتمع مسلم مثالي وفاضل.
ولكن.. وحسبما نرى فإن هناك معايير وتغييرات كثيرة تعيد صياغة المفاهيم الخاصة بعلاقة البشر ببعضهم البعض من فترة إلى أخرى، خاصة في ظل التحولات الهائلة التي يشهدها العالم في يومنا هذا، من ثورة مجنونة في الاتصالات ووسائل المواصلات، التي أحالت العالم إلى قرية كونية صغيرة، أدت الى تقارب البشر من بعضهم البعض أكثر وأكثر، نلمس ذلك في ذهاب البعض الى اباحة سفر المرأة من غير محرم في ظروف معينة خلافا لما كان سائدا على المطلق. وفي اعتقادي ان الكثير من مثل هذه الفتاوي لن تصمد في وجه هذه التحولات، لاختلافها عن الأحوال التي عاشها البشر قبل 1400 عام، حيث كانت مفاهيمهم وأسلوب حياتهم تختلف كثيرا عما نعيشه الآن، وهذا طبيعي حسب النواميس الكونية القائمة على التغيير.
هناك الكثير من الأمور التي تحتمل التأويل، والتي يمكن ان يفسرها الناس بشكل متباين حسب تفكير أي إنسان ما لم ترقى للثوابت، ولكل ما هو متفق عليه ومنطقي، وان كان هذا أيضا قابل للأخذ والرد بين بني البشر سواء كانوا يتبعون لديانة واحدة او اديان مختلفة، فمثلا قد يقول مسلم ان مشاركتي لزميلي الكافر في مكان العمل في دولة غربية او مسلمة بتهنئته وتناول طعامه المصنوع خصيصا لهذه المناسبة على أسوأ الفروض، وتبسمي وفرحي لفرحه، هو نوع من إظهار حسن النية له، وبالتالي عكسي وإعطاء صورة طيبة عن أخلاق المسلمين السمحة، وربما يندرج هذا تحت (في كل كبد رطبة اجر... تبسمك في وجه اخيك صدقة على افتراض انه اخ غير مسلم)، فانا كمسلم (في اعتقادي الشخصي) لابد ان اظهر لغير المسلم طيبتي واحترامي، وهو نوع من الترغيب لديني، وهذا لا يختلف عن المعاملة السمحة التي كان يعامل بها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الكفار وحتى الذين آذوه.
ومن أمثلة تغير المفاهيم، غض كثير من الشيوخ في أيامنا هذه الطرف عن الموسيقى والصور والتماثيل وكشف المرأة لوجهها ويديها وكثير من السلوكيات الأخرى التي لا ترقى للذنوب الكبيرة أو السلوكيات الشاذة، المثبتة بالنص القرآني، ونهي عنها الله بشكل صريح في القران كالخمر والزنا مثلا. فأنا في اعتقادي ان كل ما لم يتم تحريمه بشكل صريح واختلط النهي عنه بالأعراف والتقاليد (قيادة السيارة)، سيتم (تطبيعه) شيئا فشيئا على المدى الطويل، بعكس الخمر والزنا مثلا، فالخمر والزنا ناهيك عن تحريمهما بالنص وبشكل صريح، فانه ثبت انهما من ضروب الموبقات التي تؤدي الى افساد كبير في الارض، وان ضررهما كبير على المجتمعات، وهذه هي حكمة التحريم، ولا يمكن مقارنة أثر ذلك مثلا بالموسيقى أو التصوير أو مشاهدة التلفزيون على المطلق، أو كشف المرأة لوجهها وكفيها أو لبسها لحجاب بلون آخر ابيض أو رمادي خلافا للاسود الذي له دلالات غير محببة، وغيرها من التغيرات الكثيرة والتي كان يعارضها بشدة في وقت قريب كثير من المفكرين الإسلاميين المتشددين، إلا ان هذه المعارضة مقارنة بما يحدث الآن نجد حدتها قد خفت بشكل كبير، واقرب مثال لذلك، عملية تساهل بعض الشيوخ في السماح بقيام سينما منضبطة في السعودية، وتفهم كثير من الناس ان هناك فرق ما بين الخلوة والاختلاط بضوابط، كما نرى الآن كثير من السيدات يعملن في جميع الدول الإسلامية التي كانت لا تسمح بذلك حتى وقت قريب، وهن الآن - أي النساء – يعملن جنبا إلى جنب مع شقائقهن الرجال بشكل مشرف في أماكن كثيرة، وبشكل مختلط وشبه مختلط مع التزام تام بالحشمة والوقار، تماما كما كانت النساء تزاول العمل والتجارة في الأسواق في صدر الإسلام الأول (أو كما قرأنا)، نجد ذلك في كل المستوصفات والمستشفيات وبعض البنوك والشركات، وظهور كثير من النساء المذيعات، ونساء يتم استضافتهن في البرامج التلفزيونية كاشفات لوجوههن مع التزامهن بالزي المحتشم، مثل الاعلامية السعودية الشهيرة احدى مقدمات برنامج كلام نواعم سابقا الدكتورة سليمان وغيرها الكثيرات.
في اعتقادي ان كل هذه الأمور تعتبر تحولات طبيعية ما دام أنها تتماشى مع وسطية وعدم رهبانية وتشدد الدين الإسلامي، ولا ريب في ان الوسطية هي أمر يتماشى مع فطرة الإنسان المتقلبة، والتي يستحيل وضعها في قوالب سلوكية معينة وترويضها على نسق معين، فالإنسان غير معصوم عن الخطأ، لأنه لو لم يكن هناك مخطئين، لما عرف انسان قيمة فعل الأمور الصحيحة وتمايز الصحيح عن الخبيث، لأن الحياة قائمة على التنافس، وقد جعل الله تعالى الإنسان كذلك لحكمة يعلمها هو، ولم يكن يعجزه جل وعلى ان يخلقه كالملائكة لا يغترف أخطاء أبدا، ولكن خطأ لخطأ يفرق.
وختاما، نسأل الله ان يهبنا سبل الرشاد ويلهمنا فعل الصواب، والله ورسوله أعلم، وما سبق ما هو إلا مجرد آراء ومشاهدات من إمبراطور بدون إمبراطورية وعبد فقير... ليس متفقها في الدين... لذا لزم التنويه لاحتمال ان كل ما سبق يمكن ان يجانبه الصواب... ومردود عليه.
الإمبراطور


0 التعليقات:

إرسال تعليق