الاثنين، ديسمبر 07، 2009

البرامج التلفزيونية لتسليع النسوان للزواج

أثار تعجبي انبراء دكتورة لبنانية اجري معها لقاء في تلفزيون البي بي سي عربي مؤخرا، وتترأس هذه الدكتورة إحدى الجمعيات التي أنشئت خصيصا على ما يبدو لتناهض عضواتها توجه ما يدعينه تسليع المرأة وإهانتها في البرامج التلفزيونية التي تنتمي لبرامج الواقع، وتتخلص فكرة هذه البرامج في استضافة عدد من الفتيات ليقمن باستعراض مؤهلاتهن لكسب ود العرسان وأمهاتهم، أي الحموات المحتملات ليفزن بعريس في نهاية المطاف، وذلك بإشراك مصوتين من المشاهدين في العملية التنافسية. وقد عارضت هذه الدكتورة ما يتم في هذه البرامج ووصفت طريقة عرض الفتاة لنفسها للزواج بالمبتذلة والمسيئة للنساء.

وبالرغم من أنني لست مع تسليع الإناث بأي طريقة كانت، وضد فكرة البرنامج على الأقل حاليا وبهذه الطريقة، وتركيز الرجال على الأنثى كمظهر دون الاهتمام بالجوهر، أي بمعنى شكل جسمها وتقاطيعها وجمالها على حساب تفكيرها ومؤهلاتها الأخرى. إلا إنني اعتقد أن كل شيء في هذه الحياة يحتكم لقانون العرض والطلب، بما في ذلك علاقة الإناث بالذكور، وهذا أمر طبيعي حتى يكون هناك تنافس، وحتى يكون هناك تمايز بين الأفضل والأقل قيمة، وقس على ذلك جميع الأمور في هذه الحياة، وهذا القانون من أساسيات الحياة التي نعيشها، وغالبا أن الأفضل هو من يفوز، وهو الذي يبقى ويستطيع المنافسة واحتلال مكانا مرموقا وفق المعايير المتعارف عليها.

يذكرني هذا بنظرية أصل الأنواع لداروين، فرغم أن أساس النظرية قد يكون مناقض لأصل الإنسان وفق التعاليم السماوية وان أصله ليس قردا، إلا أن هناك بعض الفروع من النظرية تحاكي الواقع المعاش في الحياة، خصوصا في الجانب الذي يتعلق بالانتخاب والبقاء للأصلح والأفضل والأقوى بين المخلوقات والكائنات الحية في غالب الأحيان. ولا يغيب علينا أيضا أن الأنثى فعلا تعتبر سلعة بكل المقاييس على الأقل في المجتمعين الغربي والشرقي أو الإسلامي. ففي المجتمع الإسلامي، من اجل أن (يشتري) الرجل أنثى لا بد له أن ينفق أموالا طائلة حتى يستطيع الحصول عليها، نفس الأمر ينطبق على الرجل في المجتمع الغربي، لكن الفرق بين إنفاق الرجل في المجتمع الغربي هو أن إنفاقه يكون في شكل خسارة مؤجلة، إذا ما سولت للزوج نفسه تطليق زوجته (أي البضاعة) والتخلص منها، ففي هذه الحالة ربما يفقد كل ممتلكاته لتستولي عليها هي دون أن يهتز لها طرف أو شعرة، وهي أشبه بأنثى العنكبوت السوداء التي تمتص كل قوة في ذكرها ثم بعد ذلك تلتهمه. وربما لا يختلف الأمر في المجتمع الإسلامي، فلو فرضنا أن الزواج تم بأقل التكاليف، ستحصل الزوجة على نفقة في حالة طلاقها، وهذا يعتبر كسبا لها. الأمر الذي يعني أن الرجل هو الذي يخسر ماديا دائما من قبل ومن بعد، وهذا يعني أيضا أن هناك بيع وشراء يتم في العملية، بغض النظر عن نظرة الإسلام للمهر واعتباره ليس بيعا للأنثى، طبعا أنا أتحدث هنا من الناحية المنطقية، بل في المجتمعات الإسلامية الخسارة قد تكون أفدح، إذا تورط الذكر في علاقة زواج، فبالإضافة إلى خسارته الباهظة قبل الزواج للحصول على الزوجة، يخسر مرة أخرى في دفع النفقة.

لا شك أن من العوامل الرئيسية لإيقاع الأنثى الذكر في حبائلها هو إغواءها له بما تمتلكه من مؤهلات جنسية، ومحاولتها استعراض هذه المؤهلات متى ما سنحت لها الفرصة حتى ولو بطريقة لا شعورية كي تستميله وتفوز به في تنافس حامي الوطيس، قبل أن تفوز به أنثى أخرى، ربما لا نلاحظ هذه الأمور تتبدى بشكل واضح للعيان أمامنا في الحياة العامة من الإناث تجاه الذكور خصوصا في المجتمعات المحافظة، ولكن لمن يدقق في التفاصيل سيجد أن هناك تصرفات تسلكها الأنثى لتثبت للذكر الذي ترغبه أنها الأفضل، فتتعمد أن تظهرها له لإغوائه ليقع في حبائلها الشبيهة بشباك العنكبوت، وهذا في اعتقادي أمر طبيعي، ومثلما تحاول أن تستخدم الأنثى هذا السلاح الاغوائي، كذلك الأمر بالنسبة للذكر قد يستثمر تصرفات معينة ليثبت لها مدى أهليته للفوز بها، ولكن على الأنثى يقع العبء الأكبر للعب الدور الاغوائي لجذب الذكر إليها، هذه التصرفات نجدها في كل شيء تقوم به الأنثى من لفتات ونظرات وطريقة الكلام وحركات جسدها بطريقة معينة وهزها لمؤخرتها أثناء مشيتها وطريقة لبسها وتعمدها إظهار جزء مثير بطريقة معينة ومحاولة تغنجها ودلالها كما نشاهد في المشتركات في البرنامج، لأنها تدرك أن لذلك مفعول السحر في الذكر من ناحية إثارته جنسيا، وبالإضافة إلى أسلحة الدمار الشامل، اقصد أسلحة الإغواء الجنسية بمختلف أنواعها يمكن أن تتكامل معها الجوانب الفكرية الأخرى مثل محاولتها إثبات أنها في قمة الأدب والفهم والوعي، فكل الأسلحة مشروعة... وتكاد تكون في مستوى واحد من الأهمية من اجل أن تستميل الأنثى ذكرها وتجذبه إليها، وهذه أمور طبيعية تحدث في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة حسب درجة انفتاح تلك المجتمعات، ويمكن أن تصل في بعض المجتمعات لموافقتها تمكينه من نفسها جنسيا، حتى تذيقه من رحيقها المختوم، وحتى تثبت له أنها أنثى غير، وليست ككل الإناث، وأنها تمتلك جوانب مثيرة وممتعة متفردة تجعله يقع في حبائلها ويتزوجها في النهاية كما يحدث في المجتمعات الغربية وغيرها مثلا.

أرى أن العملية عبارة عن حرب أو منافسة، يستخدم فيها كل طرف كل أسلحته المشروعة وغير المشروعة بقدر الإمكان. وما دام الأمر كذلك يجب على النساء أن لا يحاولن التظاهر بغير ذلك، ويجب أن لا تكون هناك حساسية من هكذا برامج تتيح الفرصة للمتباريات في أن يستعرضن أسلحتهن الفتاكة للفوز بالشريك المحتمل، ويجب اعتبار أن جميع الأسلحة التي تستخدمها الإناث أسلحة لا تثير الاستهجان، حتى ولو تمت بهذه الطريقة المصورة وشاهدها الملايين، ففي النهاية فان الأمر خاضع للعرض والطلب، ومدى حاجة الأنثى للذكر، وقناعة من ترضى بالاشتراك في هكذا برامج أن هذه الطريقة ربما تكون الأسهل والبطاقة الأخير للتأهل لاولمبياد الزواج، والطريقة والأنسب بالنسبة لها حتى لا يفوتها القطار ويتركها في محطة العنوسة للأبد، ومن حقها أن تعتقد أن الأمر من هذه الناحية يستحق المحاولة، لان لا هذه الدكتورة ولا حتى أمها أو والدها سيكونان بديلا بالنسبة لها للزوج الذي قد لا يأتي أبدا.

وبغض النظر عن مصير هذه العلاقة وهل ستدوم طويلا أم لا فهذا لا ينفي استخدام الأنثى لمؤهلاتها لجذب الذكر إليها، حيث أنني لا اتفق مع النظريات الكثيرة التي تطلع علينا بين الفينة والأخرى، والتي تحاول أن تثبت لنا انه إذا لم تنبني العلاقة بين الأنثى والذكر على معايير معينة لا تنجح، هذه طبعا قاعدة معيبة، ولا تصلح في العلاقات الإنسانية المتعلقة بالزواج، ففي اعتقادي أن كل علاقة بين رجل وامرأة أو لنقل كل زوج وزوجة مثل البصمة، واستمراريتها تعتمد على كيمياء معينة ومدى وعي وشعور كل طرف بالمسئولية في المحافظة على العلاقة، ومحاولة تكيف كل طرف مع الآخر، خصوصا الأنثى على طريقة حياة الذكر، ومدى تقديم التنازلات والصبر من الطرفين، فمتى ما توافرت هذه الأساسيات يمكن أن نضمن علاقة زوجية متينة وناجحة، والدليل على كلامي هذا نجاح كثير من علاقات الزواج التي تتم دون معرفة مسبقة بين الطرفين، سواء ما يحدث حاليا أو ما كان يحدث في العصور السابقة في المجتمعات العربية وغيرها، عندما كانت اغلب النساء لا يرين أزواجهن أو يتعرفن عليهن معرفة حقيقية إلا يوم الدخول بها، ورغم ذلك كانت معظم العلاقات الزوجية ناجحة وتستمر إلى عشرات السنين دون اللجوء للطلاق، وفوق كل ذلك كان هناك احترام وحب متبادل بين الطرفين بشكل شبه إعجازي. وهذا أيضا نجده في كثير من حالات الزواج التي تشابه تماما ما كان يحدث لجداتنا قديما، وهو ما يمارس حاليا في المجتمعات المحافظة كالمجتمعات المسلمة بالذات الخليجية، حيث نجد من العادات أن لا يرى الزوج زوجته إلا عندما ينفرد بها أول مرة ليلة الدخول بها. وبالمقابل فشل كثير من العلاقات الزوجية التي تسبقها قصة حب عاصفة، الأمر الذي يؤكد انه لا توجد قاعدة ثابتة.

وعودة مرة ثانية لموضوع برامج الواقع، نجد أن من يعارضنه من النساء يتحججن بأن مثل هذه السلوكيات لجذب الأنثى للذكر، أنها لا يجب أن تتم بهذه الطريقة المبتذلة والمهينة والاستعراضية كما يصفنها. وفي هذه النقطة ربما اتفق معهن. إلا أن شعورنا بالامتعاض من هذه الناحية حاليا، ربما يرجع لأنها طريقة تعتبر جديدة وغير مألوفة بالنسبة لنا، لأننا لم نعتد أن تتم من خلال التلفزيون بهذا الأسلوب المباشر. وفي اعتقادي أن المسألة ما هي إلا مسألة وقت، وما هي إلا سنوات وسيعتاد الناس تدريجيا على مثل هذه البرامج، تماما كما حدث في المجتمعات الغربية التي ابتكرت فكرة تلفزيون الواقع عن طريق هذه البرامج التي تقرب بين الجنسين. وفي اعتقادي أن مثل هذه التقليعات تطور محتوم، لا بد لنا أن نتكيف معه بطريقة أو بأخرى، ومن الصعب جدا الوقوف في وجه تياره، لأنه تيار جارف، متى ما أعلن بدء انطلاقه وحراكه وتمرده في أي مجتمع من المجتمعات يصبح من المستحيل إيقافه، خصوصا وان العالم أصبح كالقرية الصغيرة، إذا عطست المجتمعات الغربية، لا بد لنا كمجتمعات محافظة وشرقية أن تصيبنا نزلة البرد، حتى ولو اختلفت درجتها وحدتها (الواد عامل فيها فيلسوف).


حقوق النقل والاقتباس محفوظة لمدونة جاكس ومنتديات المغرب.


















__________________

0 التعليقات:

إرسال تعليق