السبت، يونيو 20، 2009

رباطة جأش

هذه قصة واقعية عاش فصولها احد الأشخاص، وهي قصة مخيفة تنطوي على تجربة شاحذة للفكر. كان صاحبنا في رحلة جوية طويلة. وبينما كان كل شيئ يسير داخل الطائرة على ما يرام... ظهر أول تحذير ينبئ عن اقتراب خطب ما، ذلك عندما أخذت عبارة الخطر: "إربط أحزمة مقعدك" تومض بشكل متواصل داخل الطائرة، وبعد حين شق ذلك الجو المغلف بالترقب صوت هادئ يقول: "سوف لن نقدم المشروبات في هذا الوقت، حيث اننا نتوقع بعض الاضطرابات الجوية. الرجاء التأكد من أن أحزمة مقاعدكم مربوطة".


وفيما أخذ الرجل ينظر حوله جائلا ببصره في جميع أنحاء الطائرة، بدا واضحا أن معظم الركاب باتوا في حالة خوف وبدت العصبية واضحة في حركاتهم. ثم في وقت لاحق جاء صوت المذيع مرة أخرى ليعلن: "نحن في غاية الأسف لعدم تمكننا من تقديم الوجبة في هذا الوقت. ما تزال الاضطرابات الجوية أمامنا".
وما هي إلا بضعة ثواني حتى ضربت العاصفة ضربتها. وكان بالإمكان سماع دوي الرعد بوضوح خارج بطن الطائرة الكبير رغم هدير المحركات. وأضاء البرق السماء الحالكة السواد، وفي لحظات أصبحت الطائرة الضخمة كريشة تتقاذفها أمواج محيط هادر. ثم اخذت الطائرة تعلو فجأة مع تيارات الهواء؛ وفي اللحظة التالية كانت تهبط الى الاسفل في حركة فجائية، كما لو انها على وشك ان تتحطم، وكان يشعر بان امعائه تكاد تخرج من بطنه.


واعترف الرجل انه شاطر المحيطين في الطائرة أفظع لحظات الرعب، وقال : "فيما اخذت اتطلع حولي مرة أخرى داخل الطائرة، كنت استطيع ان أرى أن جميع الركاب تقريبا كانوا في ذعر وذهول، وكان بعضهم يرفع اكفه ناحية السماء يدعو ربه".


بدا المستقبل حالكا وتحيطه نذر الشؤم... وكان كثير من الركاب يتساءلون في تلك اللحظات العصيبة ما إذا كانوا سيجتازون هذه المحنة أم لا. ثم فجأة وقع بصره على فتاة كانت تجلس في موازاته في صف المقاعد في الجهة الاخرى، قال الرجل، بدا لي أن العاصفة كانت لا تعني لها شيئا. إذ كانت تجلس القرفصاء على مقعدها وهي تقرأ كتابا.


كان كل شيء في عالمها الصغير يوحي بالهدوء والطمانينة. وقد لاحظت أنها كانت تغمض في بعض الأحيان عينيها، ثم تواصل القراءة مرة أخرى، وتارة تمد ساقيها، ولكن القلق والخوف لم يكن وارد في عالمها. وعندما كانت الطائرة تهتز مع العاصفة الرهيبة وتعلو وتنخفض في حركات مفاجئة تثير الخوف والذعر في نفوس الركاب حد الموت، كانت تلك الطفلة رابطة الجأش وبدت لا تخشى شيئا".


لم يكن الرجل يصدق عينيه في تلك اللحظات لتصرفات الفتاة الصغيرة. وعند وصول الطائرة إلى وجهتها أخيرا، اخذ جميع الركاب يخلونها بسرعة، انتظر ليتحدث الى الفتاة التي ما زالت جالسة في مقعدها كأنه لا يوجد شيئ في الدنيا يعنيها.


وبعد أن علق على ما حدث للطائرة بفعل العاصفة، سألها قائلا: "لماذا لم تخائفي؟".


ولدهشته ردت عليه الطفلة الحلوة قائلة: "سيدي، ان والدي هو ربان الطائرة، وكنت واثقة انه سياخذني الى البيت".

0 التعليقات:

إرسال تعليق