الخميس، يونيو 25، 2009

درس المعلم عن الامتنان



أذكر أن جدتي لأمي كانت امرأة ذكية وتتميز بالحكمة واتساع التجربة، فمن ضمن القصص الكثيرة التي كانت تحكيها لنا، حكت لي ذات مرة حكاية طالما استوقفتني كثيرا، فهي تدعو للتأمل بحق، فقد حكت لي: يحكي انه كان في قديم الزمان شاب مسافر عبر الصحراء، فعثر على ينبوع ماء كالبلور في صفاءه. وكانت الماء في غاية العذوبة، وبعد أن شرب منها حد الارتواء... ملأ قربته الجلدية، وفكّر أن يقدم هذا الماء العذب الصافي إلى زعيم قبيلته عرفانا له على تعلمه على يديه.

وبعد رحلة استغرقت أربعة أيام، قدم الشاب الماء للرجل المسن، فأخذ الرجل الماء وشرب منه حتى ارتوى، وما أن فرغ حتى ابتسم وشكر تلميذه بحرارة مقابل هديته له من الماء العذب. عاد الشاب إلى قريته بقلب مفعم بالفرح والسعادة.

وفي وقت لاحق، قدّم المعلم الماء لتلميذ آخر ليتذوق طعمه. فما أن رشف التلميذ جرعة حتى مجّها بسرعة وقد تغيرت قسمات وجهه، ثم قال للمعلم إن رائحتها فظيعة. وفي الواقع يبدو أن الماء قد أصبحت رائحتها عفنة من جراء حفظها في القربة الجلدية القديمة.

قال التلميذ متحديا معلمه: "يا معلمي، إن رائحة الماء متغيرة وغير مستساغة. لماذا تظاهرت للشاب بأن ماءه راقت لك؟"

أجاب المعلم: "انك تذوقت الماء فقط. ولكني تذوقت الهدية. فالماء ببساطة يا بني هو مجرد وعاء يعبر عن العطف والمحبة، ولا يمكن أن يكون هناك شيء أكثر عذوبة من هذه المعاني"!!!

مغزى القصة:

لعل أفضل مقاربة لفهم هذه القصة، هو عند تلقينا هدية بريئة من طفل صغير تعبر عن أسمى معاني حبه لنا. سواء كانت ورقة تحمل رسما طفوليا، أو تمثال من الصلصال، فالاستجابة الطبيعية والملائمة التي تصدر منا، هي أن نعرب له عن شكرنا وتقديرنا له لأننا أحببنا المضمون الذي تنطوي عليه الهدية.

الامتنان لا يأتينا بشكل طبيعي دائما. وللأسف، فإن معظم الأطفال وكثير من البالغين يقيّمون الشيء المقدم فقط بدلا من الشعور المتجسد في ذلك الشيء. لذا ينبغي علينا أن نذكّر أنفسنا دائما ونعلم أولادنا عن جمال ونقاء المشاعر والتعبير عن الامتنان. وعلى كل حال، فإن الهدية التي تكون نابعة من القلب هي حقا هدية تتوجه إلى القلب مباشرة! ويجب أن نتذكر أيضا، إننا عندما نعرب عن امتناننا، يجب ألا ننسى أبدا أنه ليس بالضرورة أن يكون ال
كلام المنمق الذي نقوله هو اسمى آيات التقدير والامتنان، بل يجب أن نعيش هذه المشاعر، ونعيش كلماتنا لتكون نابعة من القلب، فليس هناك أجمل من الكلام الطيب.

إن جوهر كل الفنون الجميلة، يكمن في مدى إظهارنا لإمتنانا! فالامتنان صنو النفوس النبيلة، وذكراه تبقى في القلب وليس في العقل! - جاكس

فيا صديقي عندما تتلقى أي هدية في المرة القادمة من أي شخص، مهما كانت صغيرة أو تافهة... ينبغي عليك أن تتذكر ما تحمله بين طياتها من معاني حب، فإياك أن تحكم على الهدية من مظهرها! عليك أن تغوص بأحاسيسك عميقا في معانيها، وان تبدي شعورا عميقا بالامتنان أيّاً كان شكل الهدية التي تتلقاها! وصدق الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم عندما قال: تهادوا تحابوا.
******

0 التعليقات:

إرسال تعليق