صديقي وما أدراك ما صديقي..
كان لي صديق في العمل موسوس بالكمال، انه صديق رائع جدا في كثير من النواحي، ولكني كثيرا ما شككت انه ربما يكون غريب الأطوار أو يمكن ان يكون به خلل نفسي ما له الرحمة والمغفرة..كان هذا الزميل يفضل الصلاة لوحده بينما نواظب نحن على الصلاة في مسجد الشركة جماعة، وكثيرا ما حاولت إقناعه لكي يعدل عن تصرفه هذا وقلت له ان الصلاة في المسجد أفضل من صلاتك لوحدك، ومشكلته انه ليس ضد صلاة الجماعة، أو كسله منها ولكنه لا يطيق الروائح الكريهة، ولا يطيق حركات المصلين الزائدة المتكررة أثناء الصلاة، وقال لي هناك من المصلين من يحك أعضاءه التناسلية ومن يفرقع أصابعه ويعبث بها أثناء الصلاة، ويتلفت يمنة ويسرى، وهناك من يحاول ان يصلح من ثيابه بين فترة وأخرى وهناك من يقرأ بصوت مرتفع مع الأمام ويفتح شفتيه فتفوح منها رائحتها الكريهة، وهناك بعض المصلين يضغط على طرف قدمك بقدمه وكلما حاولت إبعادها عنه يقربها من قدمك مرة أخرى لدرجة انه يضع إصبع قدمه على إصبع قدمك في مبالغة واضحة في عملية سد الفرج بين المصلين، وقال لي انه لا يحب ان يصلي في جو المسجد المكتوم الذي لا يفضل فيه بعض المصلين تشغيل المراوح أو المكيف.
والمشكلة الأكبر ان لديه حساسية شديدة جدا مع الأنفلونزا ومقاومته ضعيفة فيلتقطها بسرعة من أول عطسة تصدر من مصلي قريب منه في ذلك الجو المكتوم الذي ينعدم فيه المنافذ لتجديد الهواء بينما يعج المسجد بعشرات المصلين، ومن النادر ان لا يكون هناك احد المصلين مصابا بالأنفلونزا وقال لي السبب في ذلك لان من يمرض منهم لا يمتنع مؤقتا عن صلاة الجماعة حتى يشفى فيظل المرض مستوطنا بين المصلين ينقلونه لبعضهم البعض بشكل دائم، وقال لي انه عندما يصاب بهذا المرض اللعين يظل يعاني من الأنفلونزا لفترة طويلة جدا، وهناك من يعتقد بسنة السواك في جميع الأوقات وفي كل مكان، وهذه من الأمور التي تسبب له الإزعاج والقرف عندما يرى مصليا يضع مسواكا في فمه قبل الصلاة، وتسائل متعجبا: لماذا لا يحاول هذا المصلي ان يتوارى عن الأنظار عندما يمارس عادته المقرفة هذي؟ فهو لا يجد أي مبرر ومنطق يفرض على هذا المصلي ان يضع المسواك في فمه أمام الناس وفي داخل المسجد... وقال لي ان كل هذه الأمور تسبب له عدم الخشوع في صلاته، وهو لا يرضى ان يصلى في جو تنعدم فيه أسباب
الخشوع لأنه وعلى حسب اعتقاده يعتبر ان الخشوع من أهم الأمور التي يجب على المرء ان يتوخاها لأنه يقف بين يدي الله مباشرة وهي اسمها صلاة، ثم قال لي انه يعتقد ان جميع الصلوات يمكن ان يصليها الإنسان لوحده ما عدا صلاة الجمعة، وقلت له وماذا تفعل بخصوص صلاة الجمعة؟ قال لي إنني اجبر نفسي على تحمل كل هذه الأمور واصبر على سلوكيات الناس التي اعتبرها مؤذية، لان صلاة الجمعة تختلف عن الصلوات العادية وهي ذكرت في القران بالنص وتحديدا في الآية الكريمة رقم 9 من سورة الجمعة إذ يقول الله سبحان وتعالى: (يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) صدق الله العظيم. وهناك حديث يفاضل بين الصلاة الفردية وصلاة الجماعة بالدرجات، ويعتقد انه ما دام الأمر كذلك فهذا يعني ضمنا ان هذا متروك للعبد ليختار أي من الخيارين يشاء....وقلت له بدلا من ترك صلاة الجماعة لماذا لا تحاول ان توجه وتنصح من تصدر منهم هذه الأمور التي تراها غير لائقة ومزعجة كي يقلعوا عنها، لان نصح المسلم لأخيه المسلم واجب؟ فقال لي يا حبيبي أوجه من أم من؟ جميع الناس للأسف الشديد تربت على هذه اللا مبالاة ولا يعرفون الاتيكيت ويتجاهلون كثير من الأمور البديهية، في حين ان مراعاة شعور الآخرين يجب ان تكون من أبجديات المعاملات الإسلامية. وأتحداك ان تحاول ان تنبه أي شخص في زماننا هذا دون ان يستنكر عليك ذلك بل وربما يفتعل معك مشكلة أو على أسوأ الفروض يحرجك.
وموضوع الصلاة في المسجد واحدة فقط من الأمور التي لاحظتها في صديقي الراحل.. ومن الأمور الأخرى انه يحاول بقدر الإمكان ان يكون منظما ومراعيا لزملائه الآخرين في العمل، فهو يستنكر على بعض الزملاء تدخينهم في المكاتب لان مكاتبنا عبارة عن قاعة واحدة موزعة فيها المكاتب ويفصل بينها فواصل وهي سيئة التهوية ونعتمد كليا على جهاز التكييف. كما يستنكر أيضا على من يتحدثون بصوت عالي مع بضعهم البعض أو في الهاتف في المكتب مما يشتت تركيز الآخرين، ويقول لي ان من لا يراعي هذه الأمور في مثل جو مكاتب شركتنا ذات المكاتب المشتركة اعتبره إنسان متخلف وإنسان يجب ان يعيش في الغابات، بل يجب ان لا يكون مسلما على الإطلاق، لان المسلم من سلم المسلمون من أي تصرفات مزعجة تصدر عنه.ومن الأمور الأخرى ان زميلي يعاني من الاستخدام المشترك للتواليت، ودائما ما يشكو لي ان كثير من الزملاء الموظفين الآخرين لا يلتزمون بالنظافة عند استخدامهم للتواليت، فالواحد منهم لا يرفع مقعد التواليت عندما يفرغ من قضاء حاجته، أو يتبول وهو واقف بينما مقعد التواليت غير مرفوع، وينتهي من قضاء حاجته دون ان يطرد مخلفاته النتنة من السيفون... ومن الأمور الأخرى التي لاحظها صديقي، ان بعض الزملاء عندما يدخل الواحد منهم إلى المقصف لإعداد كوب شاي أو قهوة عندما يذهب العامل بعد انتهاء دوام عمله الواحد، لا يلتزم الواحد منهم بتغطية حافظة السكر أو الحليب أو القهوة وكثيرون عندما يشرب من براد الماء لا يأخذون الماء بقدر حاجتهم فقط، فتراهم يتركون بقاياهم في الكوب، مما يضطر من يأتي بعده للتخلص مما بقي في الكأس وهذا حسب رأيه تصرف غير حضاري ونوع من التبذير، ويستغرب ان لا يعرف الإنسان مقدار حاجته من الأكل أو الشرب تماما مثل الخنزير، وكذلك عندما يتوضأ الواحد منهم تجده يفتح صنبور الماء للآخر، وتكون المياه التي أراقها أثناء وضوءه ضعف الكمية الفعلية التي توضأ بها، وقال لي انه يعيب على كثير منهم عندما يسحب ورق التجفيف، إذ لا يقطع منه بقدر حاجته فقط بل تجده يسحب ما يقارب المترين من هذا الورق بينما يكفيه نصف متر فقط ليجفف بها أطرافه ووجهه من ماء الوضوء، وقال لي انه يتعجب كيف يكون الواحد منهم مسلما ولا يتورع عن مراعاة والحرص على تجنب هذه الأمور...هذه بعض الجوانب فقط من سلوكيات شخصية هذا الزميل الرائع والغريب في نفس الوقت.والحق يقال لقد رجلا طيبا جدا وإنسان نظيف ومنظم وشاطر في عمله وهادي لا يحاول ان يشتكي حتى لا يغضب هؤلاء الرعاع كما وصفهم لي ذات مرة، ولا يتغيب أبدا عن العمل ويأتي إلى عمله في وقته لدرجه انك ممكن تضبط الساعة على وصوله للمكتب.وقد حاولت ان أتصيد أي أخطاء لكي اهجم عليه، ولكني طوال زمالتي له في العمل لم أر منه أي تصرفات تناقض ما يعيبه على الآخرين.إلا رحم الله صديقي هذا واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والصابرين والأبرار والشهداء.
هذه السلوكيات التي عرضت لها في هذا الإدراج قادتني إلى طرح بعض التساؤلات وهي، ما هو الحد الفاصل ما بين الهمجية والتحضر؟ وهل هناك أسلوب تعامل سلوكي واتيكيت يمكن ان نطلق عليه معياري؟ وهل لا بد من همجية إلى جانب قمة التحضر السلوكي حتى تستقيم الحياة استنادا إلى قاعدة الضد لا يظهره إلا الضد؟ ومن الجانب الآخر، لماذا يغيب عن بعض الناس التعود على بعض السلوكيات التي تعتبر محببة، ولا يهتدي إليها بعض الناس مثل إغلاق الفم عند مضغ الطعام والمضغ ببطء؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق