الأربعاء، نوفمبر 25، 2009

العنف ضد المرأة ظاهرة كونية يا عبد الرحمن يا خطيب

يذهب الباحث في الشئون الإسلامية عبد الرحمن الخطيب في مقاله اليوم في جريدة الحياة، إلى تدخل ولي الأمر في ضبط عملية الضرب بين الأزواج طبعا إذا كان هناك ضرب، ويقول أيضا من أجل الدفاع عن الإسلام ودرء التضليل والتشويه الذي يلحقه الذين يضربون نسائهم بالإسلام... وللأسف أول مرة أقف معارضا لطرح هذا الباحث الفذ في ما يطرحه من مواضيع رائعة، وأريد هنا أن أناقش الموضوع بعيدا عن القران وعن الشرع إلى حد ما.

معروف أن المرأة تعاني من الفوقية الذكورية في شتى المجالات في الحياة منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، بل ربما معظم إناث المخلوقات الأخرى تعاني بطريقة أو بأخرى من هذه الفوقية الذكورية، ولا يوجد مجتمع في العالم لا تعامل فيه المرأة بدرجات من العنف، طبعا تختلف مستوياتها من مجتمع إلى آخر، وللأسف ليس للتحضر أو التخلف دور كبير في عدم استخدام الذكور للعنف تجاه المرأة، فالأمر سيان تقريبا في جميع المجتمعات. فقط تختلف الطريقة وتختلف الأسباب من مجتمع إلى آخر.

العلاقة الزوجية علاقة حساسة جدا، وغالبا ما تتضرر الزوجة من نواحي عديدة إذا حاولت أن تدخل طرفا ثالثا في الموضوع إذا حدث وتعرضت للضرب من قبل زوجها. يحاول الأخ الخطيب أن يقول أن الإسلام والقران لم يقر ضرب الزوجة بالطريقة التي تمارس الآن من قبل كثير من الأزواج، ويرى انه يجب تدخل ولي الأمر للحد من ضرب الأزواج لزوجاتهم. وفي تقديري أن هذا الأسلوب سيهدد العلاقة الزوجية أكثر، وسيكون الأكثر تضررا هو الزوجة. وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا نشجع النساء على أن يحترمن أزواجهن، وينئين بأنفسهن من افتعال والإصرار على الأسباب التي تجعل أزواجهن يمارسوا العنف ضدهن.

وأنا اجزم انه لا يوجد رجل عاقل وطبيعي (غير مريض) في الكون كله، سيستخدم العنف ضد زوجته إذا عاملته باحترام وابتعدت عن كل ما من شأنه يؤجج الغضب لدى زوجها لدرجة أن يصل إلى ضربها، مهما كان نوع هذا الضرب أو العنف. الشاهد أن أكثر الأخطاء التي تقع فيها الزوجة هي عدم صونها للسانها، والعناد الشديد والإصرار على فعل وممارسة أمور تعلم علم اليقين أن زوجها لن يقرها أو يوافق عليها، ومعظم هذه الأمور ربما لا يكون للزوج يد فيها لأنها مفروضة عليه من المجتمع. فبدلا من إعمال ذكائها وتشغيل حيلة الأنثى الفتاكة التي تلين أعتى قلوب الرجال، تجدها تختار أسلوب الند للند، وهي تعلم تمام العلم انه لا جدوى من هذا الأسلوب، وتعلم أيضا أن الذكر يتمتع إضافة إلى العامل الجسماني، والطريقة التي ربته عليها أمه، التي تكرس في معظم المجتمعات في العالم أن تجعل الذكر يشعر ويتمتع بمنزلة خاصة في تجعله ذو قدح معلى أكثر من الأنثى، وهذه معادلة من المستحيل على المجتمعات تغييرها مهما بلغت أعلى درجات التحضر والتطور.

ومن السلبيات التي جلبتها براقش على نفسها، الوضع المزري الذي تعيشه المجتمعات الغربية فيما يتعلق بهروب الذكور من الزواج التقليدي، وذلك لان المرأة قامت بثورة ما يسمى تحرير المرأة جنسيا في فترة ما من القرن العشرين، فتمردت على ما تراه عنفا، وما رأته كتما لحريتها. والنتيجة أنها خسرت الآن جانبا هاما من استقرارها النفسي والاجتماعي، فبات الذكور يتهربون من الزواج، وتفشت ظاهرة المعاشرة الجنسية بين الشاب والفتاة من دون زواج فيما يسمى بعلاقة الصديق والصديقة. وهذه العلاقة كما نعلم قد أضرت كثيرا بالأنثى من ناحية الاستقرار العائلي. وباتت معظم النساء الآن في الغرب تستجدي الواحدة منهن صديقها كي يطور العلاقة من مجرد علاقة تقوم فقط على الاستمتاع الجنسي إلى علاقة زوجية كاملة.

فالمرأة هناك لا طالت بلح الشام ولا عنب فرنسا، ومن تبعات هذه الثورة الأنثوية التي تسببت المرأة في تفجرها في الغرب، هو إجراء تعديلات جذرية في قوانين الأحوال الشخصية، فأصبح الزوج يخسر تقريبا كل شيء إذا تآمرت وافتعلت مشكلة وحدث الطلاق بينهما، وهذا بلا شك من الأسباب القوية التي تجعل اغلب الذكور يتهربون من إقامة علاقات زوجية تقليدية مع صديقاتهم.

مما سبق يتضح أن العلاقة الزوجية بين الزوج والزوجة علاقة تقوم على عوامل كثيرة جدا لا بد من إحداث توازن فيها حتى لا يكون الطرف الأضعف والذي هو المرأة هو المتضرر. ولما كان الأمر كذلك، فلا بد من اعتماد إستراتيجية اللين من قبل الزوجة، واستخدام العقل والدهاء في تمرير مطالبها بطرق (ثعلبية) ليلبيها لها من خلال إثبات حبها وإخلاصها واحترامها لزوجها، والاهم من ذلك كله، استخدام سلاح الإغواء والجنس وهو بمثابة الأسلحة الأكثر فتكا والتي تستطيع الزوجة أن تروض بها أعتى الرجال والتاريخ يحفل بكثير من القصص التي استخدمت فيها المرأة سلاح الدهاء والجنس في نيل ما تريد من زوجها، حتى على مستوى الملوك والقادة العسكريين. واحسب أن هذه الأسلحة أمضى أسلحة بالنسبة للأنثى، وتناسب طبيعتها، ويمكنها أن تنال بها معظم مطالبها. وإذا أحسنت الأنثى استخدامها وعرفت من أين تأكل كتف زوجها بها، لجعلته خاتم في أصبعها برضاه هو، ولجعلته يحاول أن يجلب لها لبن الطير في سبيل إرضائها وإسعادها. وليس هناك أجمل من إظهار الطيبة والمحبة والخضوع الراقي، وليس هناك أجمل وقعا من كلمة (حاضر) على إذن الزوج. وكم من أزواج لبوا مطالب زوجاتهم عن طريق كلمة حاضر هذي، وما يضير الزوجة إذا كانت هي البادئة في تقديم كل ما هو جميل لتحصد بعده مما ترجوه من معاملة حسنة. ولا اعتقد أن المرأة لديها حل آخر غير هذا الحل أبدا. وفي اعتقادي أن هذا واحد من النواميس التي بني عليها الكون.

فهلا وعت الزوجة (العصرية) المتمردة تربية الخادمات هذا الدرس الذي مارسته جداتنا منذ قديم الأزل، وخلعن عنهن نزعات التمرد، وتمتعت اغلبهن بحياة ملؤها الحب والرضا؟


انتهى رأي جاكس... واترككم مع مقالة الكاتب:

تأويل «الضرب» في القرآن
جريدة الحياة - الاربعاء, 25 نوفمبر 2009
عبدالرحمن الخطيب

تحدثت في المقال السابق عن مفهوم ضرب المرأة في الإسلام، مبيناً المحظورات التي أحاطت بها والحيثيات التي جاءت فيها، وما ذلك إلا لتأكيد أن هذه الوسيلة التي أجازها الإسلام رخصة أشبه بالحظر. كما قال الإمام محمد عبده، وفسرها ابن عباس بالضرب بالسواك أو نحوه، قد أساء المسلمون – للأسف – فهمها وتوسعوا في تطبيقها بما أملته عليهم مخيلتهم المليئة بكل أشكال العنف والاضطهاد ضد المرأة.

وما دام كثير من الناس يظلمون نساءهم بقدر الاستطاعة، ولم تردعهم النصوص الإسلامية عن هذا الظلم، فإن من الواجب على ولاة الأمر اتخاذ القوانين والإجراءات التي تحول دون إلحاق الأذى بالمرأة وتعدي الحدود الشرعية، ليس من أجل حماية المرأة وحفظ كرامتها وإنسانيتها فحسب، بل أيضاً من أجل الدفاع عن الإسلام ودرء التضليل والتشويه الذي يلحقه هؤلاء بالإسلام، عندما ينسبون تصرفاتهم الظالمة إليه، وهو ما يعد صداً عن سبيل الله، وقد أدرك بعض العلماء المجتهدين خطورة مثل هذا الأمر، ودعوا إلى ضرورة وضع حدّ له، مستندين في ذلك إلى أحكام الشريعة السمحة ومقاصدها الكلية». يقول العلامة ابن عاشور في تفسيره للآية (واللاتي تخافون نشوزهن): «يجوز لولاة الأمور، إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها، ولا يقفون عند حدودها، أن يضربوا على أيديهم، ويعلنوا أن من ضرب امرأته عوقب، كي لا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع».

وقد جاء استدلال ابن عاشور المقاصدي لهذا الحكم في أمرين: الأول هو مقصد الشارع، القاضي بحفظ النفوس، ومنها نفوس النساء من كل اعتداء نفسي أو جسدي. والآخر «وهو الأصل في قواعد الشريعة» عدم قضاء أحد بنفسه إلا لضرورة.

وعلى هذا الأساس جاء اجتهاد الدكتور عبدالحميد أبو سليمان في قضية ضرب المرأة الذي ورد في القرآن الكريم وخلص إلى نتيجة لم يسبقه إليها أحد من العلماء قديماً أو حديثاً. فقد بدأ بإحصاء وجوه المعاني الذي جاء فيها لفظ «الضرب» ومشتقاته في القرآن الكريم التي وجدها، كما قال: على سبعة عشر وجهاً تحوي جملة معانٍ للفعل «ضرب» بصيغته المتعدية المباشرة وغير المتعدية، وهي استخدامات مجازية فيها معنى العزل، والمفارقة، والإبعاد، والترك، وحول المعنى المناسب لكلمة الضرب في سياق معنى النزاع بين الزوجين، واستعادة روح المودة والتواصل بينهما.

يرى أبو سليمان أننا «إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة السياق، وطبيعة الحال، والغاية من الترتيبات في الإصلاح والتوفيق، وإذا أخذنا في الاعتبار قيم الإسلام في تكريم الإنسان وحفظ كرامته وحقه في تقرير مصيره، وإذا أخذنا في الاعتبار العلاقة الزوجية الاختيارية، وإمكان طرفي العلاقة الزوجية في إنهائها إذا لم يقتنعا بها، ولم يرعَ أحد منهما حقوق الآخر فيها، وأنه لا مجال لإرغام أي طرف منهما أو قهره عليها، أدركنا أن المعنى المقصود من الضرب لا يمكن أن يكون الإيلام والمهانة، وأن الأولى هو المعنى الأعم الذي انتظم عامة معاني كلمة «الضرب» في السياق القرآني وهو البعد والترك والمفارقة، وذلك أن بعد الزوج عن الزوجة وهجرها وهجر دارها كلية من طبيعة الترتيبات المطلوبة لترشيد العلاقة الزوجية، ولأن ذلك هو خطوة أبعد من مجرد الهجر في المضجع؛ لأن مفارقة الزوج وترك منزل الزوجة والبعد الكامل عنها وعن دارها، يضع المرأة، وبشكل مجسد محسوس أمام آثار التمرد والعصيان والصراع مع الزوج وهو الفراق والطلاق، وهذه الخطوة المحسوسة الملموسة تعطي المرأة الفرصة الكاملة أن ترى وتحس وتتمعن في آثار نشوزها ونتائج سلوكها وهل حسبت كامل آثاره ونتائجه، أم أنها نزوة جهالة وعناد؟ علها تعود عنها إلى رشدها وتعيد زوجها إلى دارها قبل فوات الأوان».

وقوَّى الدكتور أبو سليمان حجية اجتهاده هنا بالسنة النبوية الفعلية، إذ استند إلى ما ذكرته كتب الحديث والسيرة النبوية من مفارقة رسول الله «بيوت زوجاته، حين نشب بينه وبينهن الخلاف، ولم يتعظن وأصررن على عصيانهن وتمردهن رغبة في شيء من رغد العيش؛ فلجأ رسول الله» إلى المشربة شهراً كاملاً تاركاً ومفارقاً لزوجاته ومنازلهن، مخيراً إياهن، بعدها، بين طاعته والرضا بالعيش معه على ما يرتضيه من العيش، وإلا انصرف عنهن وطلقهن في إحسان.

وهو «لم يتعرض لأي واحدة منهن خلال ذلك بأي لون من ألوان الأذى الجسدي أو اللطم أو المهانة بأي صورة من الصور. ولو كان الضرب، بمعنى الأذى الجسدي والنفسي، أمراً إلهياً ودواء ناجعاً، لكان أول من يبادر إليه ويفعل ويطيع».

وهكذا يخلص الدكتور أبو سليمان إلى «أن المعنى المقصود بالضرب في السياق القرآني بشأن ترتيبات إصلاح العلاقة الزوجية إذا أصابها عطب ونفرة وعصيان هو مفارقة الزوج زوجته، وترك دار الزوجية والبعد الكامل عن الدار، كوسيلة أخيرة لتمكين الزوجة من إدراك مآل سلوك النفرة والنشوز والتقصير في حقوق الزوجية، ليوضح لها أن ذلك لا بد أن ينتهي إلى الفراق والطلاق وكل ما يترتب عليه من آثار خطرة، خصوصاً لو كان هناك بينهما أطفال. إن معنى الترك والمفارقة أولى هنا من معنى الضرب بمعنى الإيلام والأذى الجسدي والقهر والإذلال النفسي، لأن ذلك ليس من طبيعة العلاقة الزوجية الكريمة، ولا من طبيعة علاقة الكرامة الإنسانية وليس سبيلاً مفهوماً إلى تحقيق المودة والرحمة والولاء بين الأزواج، خصوصاً في هذا العصر وثقافته ومداركه وإمكاناته ومداخل نفوس شبابه، ولأن هذا المعنى كما رأينا تؤيده السنة النبوية الفعلية كوسيلة نفسية فعالة لتحقيق أهداف الإسلام ومقاصده في بناء الأسرة على المودة والرحمة والعفة والأمن، ومحضناً أميناً على تربية النشء روحياً ونفسياً ووجدانياً ومعرفياً على أفضل الوجوه لتحقيق السعادة وحمل الرسالة».

ولا شك أن هذا التفسير الجديد لضرب المرأة، وإن كانت النساء سترحب به كثيراً، إلا أن قبولـه لدى عامة المسلمين «الرجال» وحتى علمائهم لا يزال دونه خرط القتاد!! ليس فقط لأن كثيراً من الناس سيرى أنه ينتزع منه إحدى خصائصه الرجولية. وحقوقه في تأديب امرأته، وإنما أيضاً لأنه جاء بتفسير جديد لهذه الآية يخالف ما هو شائع من معنى الكلمة لدى المسلمين، ولم يقل بمثل هذا التفسير أحد من علماء المسلمين وفقهائهم عبر العصور، وهو ما يعني أن هذا التفسير سيقابل بالرفض أو بالتجاهل حتى من علماء المسلمين، بل من كثير من دعاة الاجتهاد أيضاً!! ذلك أن لدى المسلمين عموماً حساسية كبيرة من أي اجتهاد جديد، خصوصاً إذا كان يخالف ما قررته المذاهب الإسلامية السائدة في العالم الإسلامي، وعلماء السلف على رغم الدعوات المتكررة إلى ضرورة الاجتهاد ونبذ التقليد.

وما دام الأمر كذلك، فإن أقل ما تطالب به المرأة المسلمة اليوم وكل المهتمين بقضايا المرأة وحقوق الإنسان وسمعة الإسلام في العالم، هو التقيد بآراء السلف الصالح والأئمة المعتبرين في قضية ضرب المرأة وبما بينه حبر هذه الأمة ابن عباس «بأن يكون الضرب بالسواك أو ما شابهه، أي استبعاد الأذى النفسي والجسدي ضد المرأة كما يفهمه ويطبقه كثير من المسلمين». وأن يتخذ ولاة الأمر الإجراءات التي تمنع الأزواج الذين يسيئون فهم وتطبيق هذه القضايا الشرعية من الاعتداء على المرأة حفظاً لكرامتها وإنسانيتها، وحتى لا يظل كثير من المسلمين بمن فيهم بعض العلماء والدعاة، للأسف، يروجون لآرائهم المتحجرة، وعقدهم النفسية، وخلفياتهم القبلية ضد المرأة باسم الإسلام، فيصدون الناس عنه، ويشوهون تعاليمه السمحة في الوقت الذي يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

* باحث في الشؤون الإسلامية

__________________








0 التعليقات:

إرسال تعليق