الجمعة، أغسطس 21، 2009

هل بكارتك صناعية؟

من حيث المبدأ أنا لست من مؤيدي فحص العذرية، الذي يثار في الأردن حاليا والذي أصبح قضية رأي عام، وأثار لغطا واسعا عن هل هو فعلا حرام أم حلال.

تعالوا معي لنفند الأسئلة التالية الكثيرة والتي أخذت تصطرع في دماغي بشأن هذه البدعة...

إذا كانت الحكمة من خلق الله تعالى لإناث البشر بغشاء بكارة هو للدلالة على أن الأنثى طاهرة ولم يمسسها أي إنسان قبل زوجها، ولا اعتقد أن هناك فائدة أخرى ظاهرية لهذا الغشاء تفيد الأنثى والبشرية غير ذلك... إذا كان الأمر كذلك، ألا يعني هذا أن الأصل هو وجوب التشديد على أن تحافظ الأنثى على عذريتها قبل الزواج، وذلك تشجيعا لسلوكيات حميدة كثيرة أولها عدم تفشي الرزيلة في المجتمعات.

ولما كان الأمر كذلك فقد أولت المجتمعات المحافظة في كثير من بقاع العالم هذا الجانب أهمية كبيرة، خصوصا لدى المسلمين، وبتنا نسمع بين الفينة والأخرى عن الدعوة إلى العفة في كثير من الدول الغربية كبريطانيا وأمريكا. فأصبح الذي يتزوج من أنثى سبق لها تجارب جنسية في المجتمعات الإسلامية يجد مشاكل كبيرة في المجتمع عندما يكشف سرها بعد الزواج من فض بكارتها وغالبا ما يكون دافعه لفضحها من باب التفاخر برجولته. وهذا الأمر يؤدي إلى مشاكل كبيرة بين الزوج وزوجته عندما تنتشر الفضيحة حتى ولو قرر الزوج سترها والاستمرار معها، ولكن سطوة الضغوط الاجتماعية تكون أقوى من نية الزوج بان يغفر لها. لدرجة أن انتشرت لدى المسلمين ظاهرة رتق غشاء البكارة للتدليس على العريس.

وسؤالي بعيدا عن العاطفة أو أي أغراض أخرى،و في ظل هذه العوامل التي أشرت إليها وغيرها الكثير من العوامل الأخرى، أليس من حق من يؤيدون فحص العذرية قبل الزواج، وتجنبا للمشاكل التي قد تأتي بعد اكتشاف الفضيحة، أليس من حق الخطيب إجراء مثل هذا الفحص؟ خصوصا وان الزواج بات اقرب إلى البيع والشراء في كثير من المجتمعات المحافظة، إذ تم تسليع الأنثى وأصبح من يريد الزواج عليه أن ينفق أموالا طائلة، ففي ظل هذا التسليع، يكون من المنطقي، ومن حق من يريد (الشراء) أن يتأكد من البضاعة قبل شرائها حتى يضمن خلوها من العيوب، وليس مثل البطيخة (أقول هذا الكلام من الناحية المنطقية)، الزهيدة الثمن التي يمكن أن تشكل له اقل مقارنة بالزوجة التي يرغب في شرائها بمبالغ قد تصل إلى آلاف الدولارات لدرجة أن كثير من العرسان حاليا يرزحون تحت ديون قاصمة للظهر، كثيرا ما تؤدي إلى حدوث مشاكل بينه وبين الأنثى التي اشتراها بها قد تصل إلى الطلاق.

أكاد اجزم أن أي خطيب يشك في خطيبته، لا بد أن يكون هناك سبب وأقاويل عن الخطيبة، ويكون قد سمع من بعض الناس القريبين من الخطيب والخطيبة احتمال أن تكون غير عذراء، كما إنني اجزم أيضا أن مثل هذا القرار لا يأتي من الخطيب نفسه، بل يكون من جانب إناث في أسرته، بإيعاز من أمه أو أخته التي تضع هذه الفكرة في رأس ابنها ظنا منها أن هذا في مصلحته (وهي غير ملامة). أي بمعنى أن الإناث في الغالب هن اللاتي تخرج من رؤوسهن مثل هذه الأمور التي قد تسيء للإناث الأخريات ويدخل في ذلك غلاء المهور أيضا (وآسف لاضطراري لاستخدام كلمة تسليع وشراء).

والسؤال المنطقي الآخر، لماذا لم نسمع بمثل هكذا بدع في الزمن الجميل زمن جداتنا قبل ستين عام مثلا؟ والجواب ببساطة هو أن الإناث حاليا أصبحن أكثر انفلاتا، وانتشر الفساد والعلاقات الجنسية المحرمة قبل الزواج بصورة اكبر مقارنة بذلك الزمن الجميل زمن العفة والثقة والحفاظ على الأخلاق، وتضاءل حاليا التمسك بالقيم، وأصبح الآباء أكثر إهمالا بالاهتمام بالتربية المثالية الدينية لأولادهم، وبات التطور في تقنية الاتصال مهددا كبيرا للقيم التي يشتهر بها المسلمون.

أنا لو كنت أنثى أردنية، وفي ظل هذه البدعة التي انتشرت، سأبادر قبل أن يطلب مني خطيبي بان اثبت له عذريتي وأنها عذرية أصلية وليست مركبة من أي مكان آخر من جسمي، ما دام إنني واثقة من نفسي، طبعا لن اجعله يكتشف ذلك بنفسه، ولكني سألجأ إلي أي جهة موثوقة بشكل سري وفي حضور والدة الخطيب. أقول ذلك لأنه حتى ولم تم تحريم هذه الظاهرة في الأردن وغيرها من البلدان، فقد سبق السيف العزل، وأنا متأكد من أن كثيرين سيظلون متمسكين بهذه القناعات، فالقناعة التي أخذت تترسخ في أذهان كثير من الناس الآن قد ترسخت وانتهى الأمر، ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وليس من المستبعد أن تنتشر هذه الظاهرة في كثير من الدول الأخرى.

كما انه من ناحية أخرى ربما تلعب هذه الظاهرة عامل كبح لكل من تسول لها نفسها في المستقبل في أن تتهاون في عذريتها، عندما تعلم أن عذريتها ستكون رأسمالها وعامل أساسي في مسألة حصولها على الزوج، وان هناك أطباء مسلحين بأجهزة طبية متقدمة ولا مجال لأي غشاء (مضروب) أن يفلت من قبضة أسلحتهم هذه إلا ويكتشف، وعندما تعلم انه يوجد شيء اسمه فحص عند الزواج فيجبرها ذلك على العودة إلى المثل السمحة، وسيجبر أولياء الأمور للمحافظة على إناثهن أكثر، وستضطر عيادات مافيات الترقيع السرية لقفل أبوابها وستصاب بالإفلاس.

ومرة أخرى بعيدا عن العاطفة، وحسب المنطق، كلنا نعلم انه لا يوجد نص لا في القران ولا في السنة يحرم فحص العذرية، وهذا يعني أن الشيخ الذي أفتى بحرمة الفحص في الأردن قد اجتهد ليس إلا، ويمكن أن يكون اجتهاده هذا غير مقبولا لدى طائفة واسعة من الأردنيين الذين يؤيدون توجه اختبار العذرية. كما انه ليس من المنطقي أن يودع الخالق سبحانه وتعالى هذا الغشاء في الأنثى ويكون وظيفته الأساسية هو الدلالة على أن الأنثى لم يمسها قبل زوجها انس ولا جان قبله، ويكون خيار إجراء فحص سلامته حراما. وحسب علمي أن إناث البشر هن الإناث الوحيدات بين إناث المخلوقات الأخرى كافة اللاتي خلقن بهذا الغشاء البديع والذي يعتبر واحدا من معجزات الله تعالى. ولو تأملنا هذا الأمر، سنجد أن هذا الغشاء يشكل أهمية قصوى من نواحي أخلاقية كثيرة.

كذلك ما الفرق بين اشتراط فحص الأمراض الغير قابلة للشفاء مثل الايدز والتهاب الكبد الوبائي وغيرها، وبين فحص العذرية؟ لماذا لا يكتفى بمبدأ تطبيق الثقة أيضا في مسألة فحص هذه الأمراض قبل الزواج؟ ولا يشترط الفحص ويكتفي كل طرف بتصديق الآخر عندما يقول له إنني خالي من مثل هذه الأمراض. والأمر الآخر، كلنا نعلم أن كثير من الأسر تفحص الخطيبة فحصا دقيقا للتأكد من خلوها من العيوب في المناطق التي لا تعتبر عورة من جسدها، فلماذا لا يتم معاملة غشاء البكارة مثل أي عضو من أعضاء الخطيبة القابلة للنظر من قبل أم الخطيب؟ أليس غشاء البكارة عضو من أعضاء جسم المرأة، وقابل لان يكون مفضوضا أو سليما؟

وبالمقابل كلنا نعلم أن الشرع أعطى الحق للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها عندما تكتشف أن به عيب خلقي أخفاه عنها لان هذا فيه نوع من التدليس، فلماذا لا تطلب الخطيبات فحص الخطيب للتأكد من خلوه من الأمراض المعدية والتأكد من فحولته، وان انتصابه سليم وانه ليس عقيما (إذا كانت الخطيبة ترغب في الذرية) وذلك من باب المعاملة بالمثل. أليس من حق الخطيبة أن تحصل على زوج سليم مائة بالمائة كما يحاول هو أيضا الحصول على زوجة سليمة مائة بالمائة، بدلا من حملها لقب مطلقة بلا ذنب عندما تكتشف مثل هذه الأمور بعد الزواج، وكلنا نعلم ماذا يعني لقب مطلقة في المجتمع الأردني وجميع مجتمعات العالم.

وختاما، وفي ظل الفساد الأخلاقي والانفلات الجنسي الذي باتت تشهده المجتمعات في جميع أنحاء العالم، والذي تنبأ به الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من 14 قرنا، عندما أشار إلى أن الفساد سيعم، وسيصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر أو كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام، فانه ليس من المستغرب أن تفرز مثل هذه التحولات السالبة كثير من الظواهر التي كنا نعتبرها غريبة في فترات سابقة، وظاهرة اختبار العذرية التي تحدث في الأردن الآن ما هي ألا إرهاص لكثير من الأمور الغريبة التي سنسمع عنها في العقود القادمة إنشاء الله. والله ورسوله اعلم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق