الاثنين، مارس 09، 2009

وماذا بعد البشير!!

لو كنت مكان البشير، أو لو كنت مكان أي رئيس آخر من اولئك المتشبثين بالكراسي والمدمنين على حب واستمراء السلطة، لقضيت أربعة سنوات أو خمس أو ست فقط، وتنازلت عن الرئاسة بشرف وبعزة نفس، بعد ان أكون قد بذلت جهدا خارقا لتحقيق انجازات ملموسة على كافة الأصعدة، والتي حتما ستشكل فارقا كبيرا بيني وبين من سبقني، او على الاقل ابدأ هذه الانجازات ليأتي من بعدي ليضيف اليها او يكملها، وادخل بذلك من اوسع ابواب التاريخ، ليس للقبوع في مزبلته، ولكن الى ثلة العظماء الذين انجزوا وسطروا بحروف من ذهب اعمال عظيمة يستحيل ان تمحى من ذاكرة التاريخ.
لو كنت رئيسا مكان البشير الذي لا اختلف أبدا على نزاهته، لما أصغيت إلى أصوات الإمعات والحاشية والمنتفعين تحتي المتسربل معظمهم بالفساد والانتفاع واكل اموال الناس بالباطل وشبه الباطل، الا من رحم ربي منهم والذين تنبلتهم السلطة فادمنوها، والذين يطبلون لي كي استمر في الرئاسة حتى لا يفقدوا هم ملء بطونهم، وافقد أنا كرئيس الكثير من كرامتي يوما بعد يوم ربما بسببهم، واهم من ذلك كله، افقد الكثير من حب الناس لي وهو الذي لا يعادله اي مال، فيزداد تململ الناس لوجودي وأنا متربع على كرسي الحكم رغم انف الكثيرين منهم وكاتما على انفاسهم، الذين ربما يريدون فقط رؤية وجه جديد وهذه فطرة البشر المجبولة على التغيير Yes we Can... Change، وافساح الطريق لوجه جديد ليضخ مزيدا من الزخم والدماء في بعض الشرايين المعطوبة في الوطن وفي ادائي لانني في النهاية بشر ولا بد ان اخطئ... البشير كرجل وشخص اقدره وأكن له كل الاحترام ويعقدره معظم سواد الشعب السوداني وغير السوداني، ولكني أعيب عليه تغليب شهوة التشبث بالسلطة وخلفيته العسكرية، وإصراره على البقاء طوال هذه الفترة الطويلة، لكأنما جدبت أرحام النساء السودانيات من إنجاب الأفذاذ من الرجال والنساء الذين يكونون مثله في النزاهة أو ربما يضاهونه فيها وفي جوانب أخرى مثل التعليم والخبرات والاتزان في اتخاذ القرارات وعدم التصريحات الارتجالية، إضافة إلى النأي عن الاساليب التي عفا عنها الزمن، والتعجل في التصريحات قبل دراستها ودراسة مالاتها وعواقبها الخ. وهذا شيئ أعيبه عليه وأظن ان الكثيرين غيري يعيبونه عليه، رغم ان الجميع يشهد بالكثير من الانجازات التي حققها. الرئيس هو أعلى سلطة في البلاد، وبالتالي يجب ان يكون غدوة لجميع الناس، ويجب ان يتصف بالهدوء والكلام العقلاني والهادئ والبعد عن التصريحات الارتجالية وكل التصريحات التي ليس لها اي داعي، وان يوحي بتصرفاته على اهمية التعليم والوقار في كل شيئ.
هذا ليس انتقاصا في حق هذا الرجل الذي احترمه جدا، وليس دعوة كي يتنازل عن الحكم الآن في ظل هذه الظروف الحرجة التي ورط نفسه فيها، أو لنقل ان كثير من ظروف البلاد لم تلعب في صالحه. طبعا مستحيل ان يتنازل عن الحكم الآن، ولا اظن انه يوجد احد عاقل سيرضى بذلك والبلاد تشهد هذه الهجمة الشرسة والاستهداف من عدة جبهات خارجية يحرك بعضها للاسف بعض أبناء الوطن الرعاع، اللذين يريدون ان يوهموا السودانيين أنهم سيكونون أفضل من البشير اذا حلوا محله، وهم يستخدمون طرقا دنيئة للوصول لكرسي الحكم عن طريق السلاح والعنف الذي امقته جدا وامقت كل من يلجأ اليه لهذا اكره العسكر، فكيف بالله أثق في إنسان استولى على الحكم وقد استخدم في وصوله ذلك مثل هذه الطرق الخسيسة أو سعى إلى الحكم عن طريق عقد تحالفات مع عدو مثل إسرائيل، ثم أرضى بعد ذلك ان يكون رئيسا فما الفرق الذي سيحدثه يا ترى؟ (ألم يقولوا ان العسكرية مدرسة الغباء؟).
لو كنت مكان البشير لأعلنت قبل فترة طويلة عن رغبتي في الاعتزال بعد ان أدعو لانتخابات حرة ونزيهة مفتوحة لجميع المواطنين، يشرف عليها محكمين محايدين من جهات خارجية معتبرة. ولشجعت أوجه جديدة للترشح للرئاسة وليس تلك الوجوه التي مل الشعب السوداني منها وكره حتى مجرد ظهورها في التلفزيونات، تلك الوجوه التي اعتبرها امتدادا للتخلف وترسيخا للقبلية والأفكار الرجعية التي تدعو لإبقاء السودان محلك سر، نريد شخصية محترمة شابة ومتعلمة رؤساء في جميع بلدان الطون العربي بدرجة دكتور، شخصيات طموحة صقلتها التجارب العلمية ذات توجه علمي انفتاحي، شخصيات نثق من أنها ستعمل بجد ونزاهة من اجل تطوير البلاد وفتحه على جميع دول العالم وجذب الاستثمارات وإحداث ثورة ونقلة حضارية لاستغلال جميع طاقاته الكامنة لترجمتها إلى نهضة في جميع الأصعدة وانتشال السواد الأعظم من المواطنين كمواطني الشعب السوداني من الفقر والحاجة رغم أنهم يعيشون في ارض فيها من الخيرات ما يجعلها سلة غذاء العالم بلا منازع.
ما أجمل ان يتنازل الإنسان عن منصب وهو في أوج عطاءه وعظمته وحب جميع الناس يلفه بقوة، فيثبت للناس بتنازله هذا انه ليس ديكتاتوريا أو أنانيا أو طامعا في المنصب والسلطة إلى ابد الآبدين، ترجل بعزة نفس من كرسيه ليفسح المجال لإنسان آخر، يحل محله ليجدد النشاط والحيوية في المنصب الذي كان يشغله، فتنضخ دماء جديدة وأفكار جديدة ويحدث تغيير وإصلاح لكل اوجه السلبيات، هذه هي سنة الحياة، القائمة على ناموس الحركة والتغيير والتطور، وعلى هذا المنوال ينبغي ان يتم تداول كل شيء، وعلى رأس هذه الأمور التي يجب تداولها بين الناس المناصب العليا في الدولة خصوصا رئاستها.
صحيح ان من يتنازلون عن مناصبهم سيفقدون ما كانوا ينعمون به من سلطة وجاه وحياة مرفهة وطلبات مجابة الخ... ولكن الأجمل ان يتخلوا عن مناصبهم قبل ان يجبروا على ذلك أو يثيروا سخط وملل وكره مرؤوسيهم، لا شك أنهم إذا ترجلوا وهم في أوج عطائهم سينعمون بحب وتقدير الناس، وسيظلون مصدر مشورة وحتى وهم خارج المنصب، وسيظلون محتفظين باحترام الجميع حتى من أعدائهم ان كان لديهم أعداء.
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (وتلك الأيام نداولها بين الناس....)
سورة التوبة الآية 39
واخيرا: والله ورسوله اعلم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق