الاثنين، مارس 09، 2009

"محتسبات" معرض الرياض للكتاب


جميل جداً أن يُسمح بالاختلاط في معرض الكتاب، وجميل جداً هذا الموقع الجديد ذو المساحة الرحبة، والذي بدا أكثر تنظيماً مقارنة بالموقع القديم. كانت الأجواء تشع بالبهجة وأنا أتجول بين ردهات المعرض والكتب والفكر والثقافة ورحيق ومداد الأقلام تحيط بي من جميع الجهات، يا له من جو رائع. والحق إنني شاهدت شباباً وشابات، نساءً ورجالاً في غاية التحضر بمختلف أجناسهم وسحناتهم وأعراقهم ومعظمهم إن لم أقل كلهم عرب، كانوا يُقبلون على الكتب بنهم يظهر من طريقة تعاملهم مع أجنحة المعرض، ولم ألحظ أبداً طوال الساعات التي قضيتهما بمعية ابنتي أية سلوكيات غير حضارية من الشباب تجاه النساء تعكر صفو هذا المشهد الثقافي الهام. ورغم أن الزحام كان هو السمة البارزة، وكانت كتوف الزائرين رجالاً ونساءً تزاحم بعضها بعضاً، والناس منهمكين في تقليب الكتب في مشهد حضاري رائع، يحسب للمسئولين الذين أباحوا الاختلاط في هذه الدورة وكذلك في مهرجان الجنادرية لهذا العام والذي أعتبره تظاهرة عالمية لا تهم السعوديين لوحدهم بل هي إرث إنساني يهم البشرية جمعاء، ويقيني أن هذا هو الأمر الطبيعي، وهذا ما كان يجب أن يكون منذ سنوات طويلة، إذ لا تستقيم في تقديري، الحياة بفصل متشدد بين الجنسين في كثير من النشاطات الحياتية المختلفة.
ولكني فوجئت اليوم وأنا أتصفح جريدة الحياة، بتحقيق يفيد بأنه ظهرت موضة جديدة مما يمكن تسميته إن جاز التعبير، بظاهرة من ظواهر الفوضى في مثل هذه المحافل العالمية، وهي ظهور مجموعة من النساء واللاتي جاء وصفهن في التحقيق الذي نشرته صحيفة الحياة كما يلي: (... ما يطلق عليهن عادة بالمحتسبات، إذ ظهر في هذه الدورة من معرض الكتاب ما يمكن أن يطلق عليهن "محتسبات" يقمن بالدور نفسه الذي يقوم به المحتسبين، فمنظر هؤلاء النسوة اللاتي لا يظهر منهن يد أو عين، ويتجولن في مجموعات صغيرة، تتألف من 3 إلى 5 نساء، وينشغلن بتقليب الكتب التي يعتقدن أنها مخالفة للدين وللعادات الاجتماعية، يلفت انتباه الزوار والعارضين... ويواصل تحقيق صحيفة الحياة وصفه: وتتواجد هؤلاء المحتسبات في دور النشر المعروفة بنشر الكتب المثيرة دينياً واجتماعياً وحتى جنسياً. مع أن تلك الدور محافظة على عدم جلب الكتب "الممنوعة"، إلا ان دائرة بحثهن تشمل الكتب الروائية والأدبية، التي قد تحتوي على فسوق وهرطقة برأيهن. وتكون آلية عملهن هي الإطلاع على مجموعة من الكتب. التي تحمل عناوين لافتة، وبعد بحث سريع يقمن بتسجيل بعض العناوين وينصرفن، وبعد حصر هذه الكتب يقوم شاب مرافق لهن، ويبدو انه قريبهن بتسليم القائمة إلى المسئولين عن المعرض. وأبدى أصحاب عدد من دور النشر اللبنانية استغرابهم من تصرف هؤلاء النسوة قائلين: سبق وان تعاملنا مع "محتسبين" في سنوات ماضية وتفاوتت ردود أفعالهم تجاه الكتب التي يرون أنها ممنوعة، لكننا نستغرب قيام هؤلاء النسوة من تسلم مهمة التفتيش من الرجال، وهن في تدقيقهن في الكتب يتسببن بزحمة داخل الجناح...) انتهى المقتطف من التحقيق الذي نشر في جريدة الحياة اليوم.
وأقول للقائمين على معرض الرياض للكتاب، كيف يُسمح لمثل هذه التصرفات بتعكير صفو هذا الحدث الأدبي العالمي الهام، في عاصمة عالمية مثل الرياض؟ ثم سؤالي لغرابة تصرف هؤلاء النسوة اللاتي يختلطن بالرجال ويزاحمنهن، ومن غير المستبعد انه أثناء نشاطهن هذا يحدث تلامس بينهن وبين الزوار الرجال، أليس هذا منهي عنه حسب معتقداتهن الدينية، وخاصة أنهن مكللات بالسواد كما قال الخبر ولا يظهر منهن أي شئ حتى عيونهن، أليس هذا نوع من التناقض، أن يعرضن أنفسهن لهكذا تلامس واختلاط؟ ثم كيف يقمن بقراءة الكتب التي يعتقدن أنها مسيئة دينياً واجتماعياً، ويعرّضن أنفسهن لقراءة جمل وكلمات بذيئة، أليس هذا منهي عنه حسب اعتقاد مثل هؤلاء المتشددين؟ وما هي المعايير الأدبية والدينية التي يستخدمنها للقيام بهذا الدور؟ فهل يتمتعن بحس أدبي كاف حتى يستطعن أن يميزن ما بين العبارات الأدبية الجنسية التي تخدم النص بأسلوب أدبي مناسب غير خادش، أو ما إذا كان الأسلوب الذي يستخدمه الكاتب أسلوباً إباحياً رخيصاً؟
ثم كيف تسمح إدارة المعرض بكل من هب ودب أن يفرض نفسه وصياً بهذه الطريقة الفجة والغير حضارية، ومتى؟ أثناء الفعاليات للأسف الشديد، وبشكل علني، ألا يتم تدقيق للكتب بشكل حازم وصارم قبل الموافقة على عرضها، ويشترط هذا التدقيق لفسحها للتأكد من أنها لا تتعارض مع الدين والأعراف والتقاليد المتبعة؟ أم أن هؤلاء المحتسبين لا يعترفون بوزارة كوزارة الثقافة والإعلام، برجالها ومفكريها ومثقفيها وأكاديميها وأساتذتها الأجلاء؟ وهل هؤلاء المحتسبين والمحتسبات أدرى بشعاب الثقافة والتقاليد والحفاظ على الدين من هكذا متخصصين؟
وما هي المقاييس التي يجب إتباعها في تناول ما يعتقد انه مخالف للدين وللأعراف؟ وهل توجد علاقة إنسانية تقوم على النساء والرجال في أي مكان في العالم تخلو من الجنس والعواطف؟ حتى ولو تم تناولها بطريقة راقية في هذه الروايات والكتب؟ اللهم إلا إذا كان مبتغى هؤلاء المحتسبين منع الروايات تماماً. وهل هناك رواية تتناول العلاقات الإنسانية الأزلية الطبيعية بين الرجال والنساء تعتبر صادقة إذا لم تتعرض لهذه العلاقات بأدق تفاصيلها حسب رؤية الكاتب ومن ضمن هذه العلاقات الإنسانية بالطبع العلاقات الجنسية والعاطفية، وما مشكلة تناول الجنس بأسلوب راقي؟ أليس الجنس أمر طبيعي يمارسه جميع الناس بمختلف الصور ولو لاه لما جاء هؤلاء إلى الوجود أصلاً، وكيف يصف هؤلاء التطرق إلى العلاقات الجنسية التي نقرأ عنها في كتب الفقه، فما العيب في التحدث عن أمور طبيعية تحدث بين البشر منذ بدء التاريخ وحتى قيام الساعة، بأسلوب أدبي راقي غير خادش للحياء كما أسلفت. أناشد إدارة المعرض والقائمين عليه أن يمنعوا مثل هذه الظواهر المسيئة للفضاء الثقافي والأدبي في عاصمة عالمية كالرياض، وان يعطوا الخبز لخبازه، وتكون مهمة مراقبة ما تحتويه الكتب بين أغلفتها من شأن رجال متخصصين ومثقفين مكانهم هو وزارة الثقافة والإعلام.
أمّا أمر التجاوزات الأخلاقية ومضايقات النساء التي قد يقوم بها بعض الرجال وخصوصاً بعض المراهقين، فهذا أمر يقوم على حراسته أفراد الأمن الخاص ورجال الهيئة الكرام على خير وجها، والمنتشرين في جنبات المعرض، والذين أصبحوا يقومون بهذه الأدوار بصورة أكثر تحضراً وحكمة، وأتمنى أن يضاف ذلك إلى ميزان حسناتهم.
ما المشكلة في هذا يا عالم.... أفتوني بالله عليكم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق