الخميس، سبتمبر 03، 2009

فكر الدكتور العلامة ابراهيم الخولي

الدكتور العلامة المفكر إبراهيم الخولي من المفكرين المعاصرين الأفذاذ، وهو أستاذ في جامعة الأزهر، ويبلغ من العمر 75 عاما، حفظه الله. أحد علماء الأزهر المشهورين، وعضو في جبهة علماء الأزهر، وأستاذ البلاغة والأدب والنقد بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر. أسلوبه شيق وممتع، وعلمه واسع، قوي الشخصية، خطيب مفوّه، محاور لا يجارى لقوة حجته وبليغ عباراته، يبهر السامعين بكلامه وبلاغته وفصاحته، يوظف علمه من أجل الحق والدفاع عن الإسلام والاهتمام بقضايا الأمة، لا يخشى في الحق وفي نصرته للحق وفي إعزاز الإسلام والمسلمين.

------------------------






---------------------------


ومن أهم مؤلفاته:


التعريض في القرآن الكريم 2004


متشابه القرآن 2004


مقتضى الحال بين البلاغة القديمة والنقد الحديث 2007


مكان النحو من نظرية النظم 2008


السنة بيانا للقرآن. دار الأدب الإسلامي


ويقول عنه احد طلبته:


صحبته سنواتٍ بكلية اللغة العربية بالقاهرة (جامعة الأزهر الشريف).. رغم أني كنتُ بكلية أصول الدين؛ فنهلتُ ـ ما شاء الله تعالى لي ـ من بحـرِ علمه، وثاقبِ نظره، وتدقيقِ بحثه، وحُسنِ توجيهه، وأدائه التربوي المنهجي العالي والنادر..

وخالطته في بعض أموره الخاصة؛ فألفيتُـه زاهداً، متواضعاً، كريماً، أباً رحيماً، مربياً حليماً.


عرفتـُـه ـ رحيله. عرفته ـ بحفل تأبين شيخ العربية الأجلِّ أبي فهر) نظمته كلية اللغة العربية بعد أشهر من رحيله .. أحسن الله إليه)، فلفتتني إليه (وكنتُ أودع وداعةَ الصِّبا وأدلف إلى عنفوان الشباب!) بلاغةٌ عالية، وأداءٌ متمكن، ولسانٌ ذَرِبٌ غير متتعتع، وتسلسلُ فكرٍ غير مضطرب. ومما لا أزال أذكره ـ تقريباً بحرفه! ـ ما وصف به أبا فهرٍ بعد لقائهما الوحيد.. قال عن أبي فهر: "تراه على شَفا الكِبر وحافَـةِ الـضَّـعة .. وما إنْ به من كِـبرٍ ولا ضَعة، ولكنه شموخُ العالم المحقق، وبراءةُ الإنسان السَّمْح!" .. أو كما قال! وهو ـ د.إبراهيم الخولي ـ حقيقٌ بهاتين الصفتين وتينكِ الحالين!


أما ما يتعلق بـهَـمِّ شيخي الأجلّ بحال الأمة المسلمة، وواقع المسلمين ومستقبلهم في جميع المجالات، وما أصابه في الله تعالى جـرَّاءَ هذا؛ فمما يضيق به المقام، ولا تساعد عليه الحال! وقد أكتفي الآن بالقول: إنه (فيما أحسب.. والله الجليل الكريم حسيبه، والمطلِّع على ما في الصدور) من أصدق من رأيتُ ـ من المساهمين في العمل العام ـ لهجـةً، وأصفاهم نَـفْساً، وأبعدِهم عن الأغراض الظاهرة والباطنة، وأجرئِـهم في الحق وبالحق.. على شِـدَّةٍ.. ترفدها طبيعةُ فطرته، وحِـدَّةٍ.. يثيرها استنواق الجمال من أشباه الرجال!


أكتب هذه الأسطر، بكل حماسةٍ أداءً لواجبٍ أراني تأخرتُ فيه كثيراً .. واجبِ الاحتفاء بواحدٍ من رجالات الزمان المغموطين حقَّهم. وأيضاً.. تحقيقاً لرغبـةٍ قديمـةٍ ـ لا تزال تتعثـَّر في زحام المؤجَّلات! ـ.. رغبـةِ الكتابة عن بعض جوانب هذا الرجل الكبير.


أسأل الله تعالى أن يَـنْسأَ في أثره، وأن يُعظِم به النفعَ ـ علماً وعملاً ـ للبلاد والعباد، وأن يبارك في صحته ووقته وعلمه وسعيه، وأن يـُـقِـرَّ عينه في حياته بما يتمنى من خاصة نفسه وعامة أمره وأمر المسلمين، وأن يجزيه ـ عني، وعمن انتفع منه بحرفٍ ـ خير ما جزى عبادَه الصالحين المصلحين.


والحمد لله أولاً وآخراً.



ويقول في ندوة مجلة البيان معرفا العلمانية:


قضية العلمانية هي قضية المجتمع الإسلامي المعاصر ـ ليس اليوم فقط ـ وإنما منذ فترة طويلة؛ فالعلمانية في العالم الإسلامي هي راسب من رواسب الاستعمار، وإذا كانت تبدو اليوم عالية الصوت فليس لكونها استفادت قوة؛ وإنما لأن مواجهتها في العالم الإسلامي هي التي منيت بالضعف، وهي تأخذ مفهومين متطورين: في البداية أخذت مفهوم فصل الدين عن الدولة، وانتهت إلى نبذ الدين جملة ومحاربته حرباً لا هوادة فيها. وكلنا يعرف مقولة ماركس الشهيرة: «الدين أفيون الشعوب»، ولذلك رأى الماركسيون ومن لف لفهم من العلمانيين أن الدين هو المسئول الأول عن طغيان الرأسمالية والطبقية، وعن المظالم الاجتماعية، وعن جرائم مؤسسات البنية العليا، وأن الدين هو المسئول عن تخدير الشعوب واستكانتها لجلاديها ومن ثم لا صلاح للمجتمع الإنساني إلا بإقصاء الدين جملة.



والعلمانية وافد غريب على مجتمعاتنا لا مكان لها فيها؛ لأنها نشأت حلاً لمعضلة واجهها المجتمع الغربي النصراني ولم يكن أمامه من حل سوى اللجوء إليها؛ حيث بدأ العقل الغربي يتمرد على الكنيسة بعد أن قطع في الحركة العلمية في المجال التجريبي شوطاً، وبعد أن صادرت الكنيسة العقل، وصادرت العلم، وصادرت حق الحياة. وبعد صراع مرير إلى جانب صراع آخر على السلطة بين الأمراء والكنيسة أنعتق من استبداد الكنيسة وبدأت مرحلة جديدة من المهادنة بين «الكنيسة» السلطة الدينية و «الحركة العلمية» من جهة، وبين السلطة الزمنية «الحكام» من جهة أخرى، وهنا بدأت العلمانية بمعناها المبكر فصل الدين عن الدولة بتقاسم السلطة: للكنيسة سلطتها على ضمائر الناس وعلى قلوبهم، وللسلطة الزمنية السيطرة على كل ما يتصل بشؤون الحياة والتوجيه والتشريع، وتصبح العلاقة بين الكنيسة والدولة الناشئة التي بدأت فكرة السيادة على مفاهيمها العلاقة: (لا مساس).



وفي تقديري أن هذا كان لوناً من المكيافيلية ريثما تستحكم قوة الدولة المدنية لتحميهم ثم تنتقل إلى المرحلة الثانية التي تجاوزت العلمانية فيها الاكتفاء بمجرد الفصل إلى إقصاء الدين جملة عن توجه الحياة، ثم تمادى هذا التيار وانتهى إلى ما نسميه بـ (الإلحاد العلمي) الذي ساد أوروبا شرقاً وغرباً، وانتهت المسألة بأن أصبحت العلمانية أخيراً تساوي الإلحاد وتعني إقصاء الدين جملة وتفصيلاً عن المجتمع وعن توجيه الحياة فيه. ولم تجد الكنيسة بداً من أن تستسلم لهذا؛ وأظن أن التلاعبات التي حدثت بعد هذا تسري آثارها اليوم بشكل أشد حدة.


بداية ليسمح لي الأخ محمود أولاً بملاحظة جديرة بالانتباه ؛ أقول : إن هناك فرقاً مبدئياً بين موقفنا وموقف الغرب في المجتمع العلماني .



المجتمع العلماني نفض يده من الالتزام بحرام أو حلال نفضاً كاملاً من نقطة البدء الأولى على مستوى النظم والشعوب ؛ يقول بريجنسكي مستشار الأمن القوي الأمريكي السابق في كتابه ( الانهيار ) : « نحن أصبحنا مجتمع إباحة الاستباحة ؛ الفرد في الولايات المتحدة استباح كل شيء، ولم يعد في قاموسه كلمة حرام أو محرم ؛ وبهذا لا تستقيم حضارة ولا تستمر . السفينة كلها تغرق ولا يملك أحد إنقاذها ! وإنقاذها مرهون بالعودة إلى الدين والأخلاق. ! » أما نحن فللأسف الشديد في موقف التبعية ولا نستطيع أن نفطم أنفسنا عنه « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم . قلنا: يا رسول الله ! اليهودنقول.صارى ؟ ! قال : فمن ؟ » [1] .



الإنسان في الغرب عبد نفسه وأحل نفسه محل الله، وأصبح هو مصدر كل شيء ومحور كل شيء ومعيار كل شيء، دستوره من وضعه .. الأخلاق نسبية، وهذا ما يردده بعض وزرائنا اليوم .



ثم الغاية تسوِّغ الوسيلة .. الإنسان حر في أن يعيش وجوده، وأن يعبر عن هذا الوجود كما يريد دونما قيد عليه !



على هذا علينا أن ندقق فيما نقول .. فماذا نعني بسينما إسلامية ؟ وهل يمكن أن نواجه سينما بسينما ؟ كيف يتم هذا دون اقتباس من المجتمع الغربي العلماني الذي لا يصلح مطلقاً أن يكون نموذجاً ولا مصدراً للاقتباس أو المحاكاة لمجتمع مسلم ما زال يلتزم بالإسلام شعباً وجماعة وإن انحرف النظام ؟ هذا إلى جانب ما تتحدثون أنتم عنه كإعلاميين من أن العالم اليوم أصبح قرية أو ربما غرفة، كيف لي أن أنافس في ظل عالم مفتوح ؟



ويتحدث عن ما هو الفن فيقول:


الفن من حيث هو سلاح يتوقف أثره على هدف من يستعمله، وعلى القذيفة التي يطلقها من خلاله، والعلمانية حين تختار الفن وتوظفه فإنها تعرف غايتها وطريقها والوسيلة الصحيحة لتحقيق أهدافها، وحين قال ماركس: «الدين أفيون الشعوب» كان يدرك الأثر الحقيقي للدين في نفوس البشر.. أدرك هذا جيداً وحاول أن يقصي الدين لما له من تأثير على نفوس البشر.. لا يستطيع ماركس بهُرائه الذي زعمه فلسفة أن ينال من نفس مؤمنة مهتدية بدين الإسلام؛ فكانت المعركة ضد الإسلام لإزاحة العائق أولاً، فإذا ما انتهت من هذه الحصانة والمناعة التي يهبها الدين للنفس أمكن غزوها وأمكن وأمكن...



الأثر النفسي للدين يقترب منه الأثر النفسي للفن دون تشبيه، والفن مخدر للنفس، وظيفته الأولى تخدير عقل المتلقي ليستقبل الرسالة التي يحملها الفن وهو مستسلم سلبي قابل دون أدنى مقاومة، وهنا نفهم لماذا هذه الحشود التي يصطنعها الفن من مؤثرات صوتية وبصرية، وحشد لعناصر قد لا يحتاج الأمر لشيء منها مثل عنصر المرأة.. الموسيقى.. الرقص.. كل هذا يحشر حشراً؛ مع أن النقاد والمتخصصين يرون أن هذا العنصر أو ذاك لم يكن له مكان في هذه الأعمال سواء كانت مسرحية أو دراما أو تراجيديا، ومع هذا يصر المخرج على إقحامه؛ لأن هذه العناصر هي التي ستزيل كل العوائق وتفتح كل المنافذ ليصل الفن برسالته المراد إيصالها إلى النفس وهي في موقف السلب.



ولو أنا أخذنا المضمون نفسه في صورة كتاب يقدم أفكاراً عارية ومباشرة، أو في صورة رواية أو في صورة رؤية أو عرض فلسفي لما كان لها عشر معشار هذا التأثير، لكن لما استعان بالأساليب الفنية، وتلاعب بعقل الإنسان فخدَّره.. وبخياله فأطلقه.. وبعاطفته فاستثارها.. وبغرائزه فأيقظها، استطاع أن يسيطر عليه فأصبح كالمنوم مغناطيسياً يؤثر فيه ويوحي إليه بما شاء وهو قابل سلبي كأنما عدمت إرادته عدماً كاملاً.



هناك إشكالية لا بد من الانتباه إليها من حيث مفهوم الفن، وهي أن كثيراً مما يندرج اليوم تحت مسمى الفن هو مندرج من جهة الشرع عندنا ضمن دائرة الحظر. بل للأسف الشديد أن أول ما يدخل في دائرة الحظر عندنا هو أول ما يتجه إليه غيرنا باسم الفن، وهذه مناقضة أساسية لا بد أن تكون في تقديرنا لهذا الأمر.



النسبة للأفلام الإيرانية لو اتفقنا على ما يقال حولها من انضباط ؛ فإن مسألة الاستمرار مسألة مشكوك فيها - وأنا أول الشاكين -الإيراني.طور الذي طرأ على المجتمع الإيراني من أيام الثورة ومروراً برفسنجاني وما بعد رفسنجاني، وبغض النظر عن رأيي في إيران وتياريها، فإن تيار الإصلاح يمحو كل ضوابط الثورة .



إذن مسألة الاستمرار مسألة فيها نظر، وخاصة أن العوامل التي تأبى الاستمرار أقوى من أن يقاومها المجتمع الإيراني وغير المجتمع الإيراني .


أما الفن الهندي فقد نشأمنطقية؛ن الديانة الهندية التي لا تقبل هذا اللون من الفجور الغربي ولا تعرفه، بل وليس ذلك من مطالب الإنسان الهندي وفلسفته في الحياة .



وكيف لنا بإنجاح مبدأ سينما في مواجهة سينما مثل هوليود التي تنفق على الفيلم قرابة نصف مليار دولار أو يزيد ؟ ! المنافسة هنا أراها غير منطقية ؛ لأن هاجس الربح لا يزال ملحّاً لدينا !



عملية الغزو مستمرة وستستمر،الميكروبات؛يوم نفقد من أدوات المواجهة بقدر ما يزدادون هم في قدرة الهجوم، هذه المعادلة لا ينبغي أن نخطئها ! حين تنتشر الأوبئة وتعم حرب الميكروبات ؛ فإن العلاج تحصين الناس في وجه العدوى، والمشكلة الآن أننا لا نحصِّن المسلمين في بيئاتٍ الإنسان فيها معرضٌ لأن يصاب بكل الأوبئة من حوله ! الأوبئة الآن لا تأتي عفوية ؛ وإنما ترسل إلينا إرسالمقاومة؛ن القضية ليست أن أحاكي الغرب، وأن أستخدم أسلحته بنفس القوة التي يستخدمها ؛ لأن السلاح نفسه ذو حدين . القضية الآن أننا نواجه عدوى دون تحصين، وهجوماً دون مقاومة ؛ فقد أضحينا جسماً يتعرض لكل أسباب الإصابة دون مناعة، فعلينا أن نفكر !



دائما يجب أن يوضع في الاعتبار أننا حين نتحدث في ظل مجتمع يلتزم بشريعة الإسلامطويلة.م بالحكم فيه بهذه الشريعة يختلف عما إذا كان حديثنا عن مجتمعٍ النظامُ فيه علماني والشريعة معطلة ؛ لأن ضمانات ألوان النشاط في المجتمع في مثل هذه الحالة أنت لا تملكها، ومن ثم يصبح التجريد كلاماً بغير إنتاج، أنت ضربت مثلاً بإيران .. إيران بعد مرحلة من مد الثورة وعنفوان التشدد والحمية بدأ التحلل من كثير من الضوابط بغض النظر عن رأينا فيها، وأنا أعتقد أنه لو استمر الوضع في ظل الحكومة الحالية فإن المسألة ستختلف بعد 5 سنوات اختلافاً كبيراً جداً عن الصورة التي رآها الناس عندما كانت الثورة مهيمنة على كل شيء في توجيه المجتمع الإيراني . هذا الأمر لا يخص إيران فقط وإنما يمتد لمجتمعات سُنِّية عرفت بالمحافظة لفترات طويلة .



ولهذا أقول إن الفتوى مرتبطة بزمانها ومكانها وملابساتها، وليس يجوز أن أحلل الفتوى من قيود الواقع ؛ إذن وجود نظام بالمفهوم الصحيح وحكومة مسلمة ملتزمة بشريعتها لا تعطلها ولا توقف جزئية منها هذا الأمر أو عدمه يضع قيوداً عليَّ حين أعالج قضية كقضية الفن الإسلامي .



هذا ما كنت أبغي الوصول إليه، نحن نعلم أن الإسلام ليس دين كهنوت، لكن طبيعة الحياة اقتضت أن لكل شيء رمزياته وظواهره، ومن هنا نسأل : لماذا شخصية العالم المسلم دائماً هي الشخصية المهينة في كل أجهزة الإعلام وفي كل الفنون ؟ وحين يريدون أن يسخروا من شخصية فإنهم لا يختارون إلا شخصية دينية ! .. ثم أخطر من هذا حين يصبح واعظ المجتمع أحد المهرجين ! .. يسمعه الناس في الصباح يتحدث عن القيم والمثل ثم يرونه في المساء مهرجاً، هنا تهتز القيم !




في ظل هذا الخلط - وهذا جانب منه - كيف للشباب المسلم الذي لم تعلِّمه مدرسة، ولم تربِّه أسرة، ولم تبرز أمامه قدوة صالحة وإن برزت تشوه كيف له في ظل هذا التشتت الذي أنتجته العلمانية أن يقيس الأمور ؟

ويقول في ندوة عن سقطة الحداثة والخصوصية الغربية



بسم الله الرحمن الرحيم.. الحـداثــة لغة مشــتقة مـن مادة: (حدث) وفي اللغة يقال: (حَدَثَ حُدُوثاً وحداثة فهو حَدِيث) ويقال حَدُثَ في مقابل قَدُمَ، وحداثة مصدر لحَدَثَ يكون على غير قياس أما حدُث بضم الدال كقدُم فلا بأس أن تكون حداثة مصدراً لحدُث بالضم، وحدَث حدوثاً، فيكون حدوثاً مصدراً لحَدَثَ بفتح الدال، وصاحب القاموس يقول إذا استخدم لفظ حدث مع قدُم لا يستخدم إلا مضموم الدال.


وما دام قد اختير لفظ حداثة كي يقابل به المصطلح الغربي؛ فمن حقنا نحن أن نتعامل مع هذه التسمية بلغتنا التي اتخذت منها.



هذه شروط المنهجية في أي عمل علمي خاصة فيما يتصل بالمصطلحات.. والمفترض لغةً أنّ الحداثة مقولة إضافية أي بالإضافة إلى قديم سبقه، وبُعد الزمن داخل في المفهوم، إذن كل حديث سيعود قديماً، وكل قديم كان حديثاً بالقياس إلى ما كان قبله. إذن فاختراع حداثة لما سيأتي عليه الزمن يخلقه ويبليه كما أبلى غيره اختيار غير موفق وغير أمين، ومن هنا فمن التناقض أن تلصق بهذه التسمية دعوى الاستمرار، والآن هم أنفسهم يتحدثون عن «ما بعد الحداثة».. فبِمَ يسمونه وبم يسمون ما بعد بعد الحداثة، وهل يبقى مفهوم الحداثة على ما كان يعطيه؟



وأما الحداثة كمصلح عند دعاتها فهي: «اتجاه أو منزع ينتهي إلى قطيعة شاملة مع التراث، تنطوي على تحقير هذا التراث والتهوين من شأنه وقطع صلة الأمة بماضيها لتبدأ من الصفر وقد سلب منها كل مقومات هويتها، وتصبح مستعدة لأن تصاغ كما يريد الآخرون».



ضرب المقدس وطعن التراث يعني تمييع المواقف وعدم الاعتراف بكل ما هو ثابت.. ومما ذكره الدكتور مصطفى فهم يريدون حركة الإنسان عشوائية ليس تقدماً نحو الأفضل؛ وهذا بدوره يؤدي إلى تحطيم الماهية والهوية ويعصف بالإنسان.


يجدر بنا أن ننبه إلى أننا لسنا بصدد تعريف منطقي على الطريقة الأرسطية، وينبغي ألا تشغلنا التعريفات الهلامية التي يقدمونها


الأقرب أن ذلك كان نتيجة غير مرادة للغرب، ولكنه هو ما وقع بالفعل نتيجة السياق التاريخي؛ فكما جنت الحداثة على النصرانية وحصرتها في ركن الحياة حتى حين، أسدت إليها جميل البقاء؛ فالقطيعة وجدت وقويت، وما أن أخفقت الحداثة وسقطت ذلك السقوط المريع، حتى بدأ الدين يعود من جديد وبقوة، لكنه عاد بغير الصورة التي كان بها وقت سطوة الحداثة عليه؛ إذ عاد ديناً حداثياً علمانياًً فضفاضاً، عبارة عن شعارات وأمانٍ ترسم له العلمانية دوره.


هناك سبعة من كبار أساتذة اللاهوت في أكسفورد ألفوا كتاباً بعنوان «خرافة تجسد المسيح» في أوائل الثمانينيات، وأحدث ضجة، وقد ترجمه أحد الأساتذة المصريين هناك لكنه لم ينشر حتى الآن.



الغرب استهلك النصرانية في عصر الإقطاع، ثم أقصاها.. ثم استهلك الدين المدني مع (روسو) والدين الوضعي مع (أوجست كونت)، وها هو اليوم يشقى بما بعد الحداثة بعد أن دمرت الحداثة بنياته الفكرية والثقافية، وأُفسد الإنسان وسُحق بمفاهيم الحرية المزعومة التي بشرت بها الحداثة، وخُرب المجتمع، على طريقة جئتُ ولكن لا أدري من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت طريقاً قدامي فمشيت. منتهى الضياع ومنتهى السقوط وهذا ما نجده أكثر وأكثر في مبدأ البرجماتية الشهواني الذي أرساه (وليام جيمس).


الحضارة الغربية بطبعها حضارة عنصرية قائمة على مركزية الغرب، والحداثة شأنها شأن أي نتاج عن هذه الحضارة، هذه الحضارة بحداثتها هي التي تجعل اليوم من 80% من سكان العالم فائضاً بشرياً يجب التخلص منه. والحداثة كما تقوم على سحق الشعوب، تقوم على سحق الفرد من خلال قيم فردية، يلهث فيها الإنسان وراء ما يقرر له أن يلهث وراءه، والحريات الفردية أكذوبة كبرى، وإنما هي حريات فرويدية إن صح التعبير.. لم تشقَ البشرية في تاريخها كما شقيت اليوم وهي كلها لم تعد بمأمن من ضربها بأسلحة فتاكة.. وحروب لا تدري لِمَ أقيمت ولا متى تنتهي، ومن أمراض نفسية وبدنية، وسقوط اجتماعي، وضحالة فكرية، وافتقاد الحداثة للمرجعية النصية يعلن عن إفلاس في القيم وفي الأخلاق ومن ثم إفلاس في الحضارة.


وهل عُهِدَ في الفكر الإنساني وفي تاريخ الثقافات أن تقوم مذاهب على هذا المستوى المدعى من الشمول..! تقوم وتطور وتموت في عقود ثلاثة كما في البنيوية وعقدين كما في التفكيكية ثم تنتهي؟



ورد على سؤال: هل يمكن تصور حداثة عربية كما يقول بعضهم؟


يقول الدكتور إبراهيم الخولي: ليس هناك ما يمكن أن نسميه حداثة عربية على التحقيق.. بل ولا يوجد حداثيون عرب، لدينا دعاة حداثة عرب، ونسبتهم إلى الحداثة نسبة المقلد لا المنتج أو المبدع، فهؤلاء لم يقدموا فكراً مستقلاً، وإنما نقلوا عن الغرب دون أن يراعوا خصوصية مجتمعاتهم، فهؤلاء ليس لهم جهد فكري مستقل في هذا الباب.



ما يسمى الحداثة العربية أو نقل الحداثة الغربية إلى المجتمع الإسلامي؛ هو بمثابة نقل أعضاء لجسم هو يرفضها ولا يمكن أن يتقبلها، فالسياق التاريخي والفكري والاجتماعي مختلف، ولمثل هذا النقل أمثلة في تاريخنا، مثل كتاب (نقد الشعر) الذي ترجمه «قدامة بن جعفر»، وكتاب (الشعر) لأرسطو الذي ترجمه «متى بن يونس»، وكان ذلك في وضع قوة الدولة الإسلامية التي كانت تستقبل استقبال الناقد المتفحص الذي يأخذ ويرمي وينقي ويترك، ثم يهضم، ثم يضيف فيخرج للبشرية ما لا قِبَل لها بأخذه في البداية، ولذلك رفض المجتمع كتاب (نقد الشعر) لتأثره بالفكر الأرسطي، ولننظر كيف الغرق في الهزيمة الفكرية، هذا إذا لم نذهب إلى أبعد من ذلك، وكم هو البون بينهم وبين «السيرافي» شارح كتاب سيبويه حين ناظر «متى بن يونس» لمَّا تفاخر بالمنطق اليوناني، وأن العرب لم ينتجوا منطقاً كالمنطق اليوناني، رد عليه السيرافي وقال: جهلتَ.. فليس المنطق إلا نحواً إلا أنه مسلوخ من العقل، وليس النحو إلا منطقاً إلا أنه مسلوخ من اللغة، وسأسألك عن حرف الواو، وأدلك على أسراره واستخداماته... إلى آخر كلامه، فأين منطق (أرسطو) من النحو العربي.



فالحداثيون يجهلون التراث الإسلامي العظيم؛ لذلك فهم يعادونه لأن الإنسان عدو ما يجهل، فأنا لا أخشى من دعوتهم فهي ستزول كما زال السابقون، أما حداثة الغرب فهل تستحق من المجتمع الإسلامي كل هذه الجلبة والضجة التي يثيرها الحداثيون العرب؟ لقد ماتت في بيئتها ودخلت المتحف لا لتحيا فيه وإنما لتتحلل وتبيد.


اللعب بالمصطلحات مسألة تحتاج إلى معالجة وتأصيل.. حين يثور الحداثيون على قيم الإسلام باسم التقدم؛ لا يعنون سوى التقدم المادي الذي يحوّل الإنسان إلى كائن يعيش على معدته وفرجه ويعيش لهما، لكن التقدم في المفهوم الإسلامي تقدم الإنسان في إنسانيته حتى يسيطر بإرادته على غرائزه، يصبح صاحب قيمة.. صاحب نظرة فلسفية في الوجود.. يعمل بعلم، يؤمن بقيم، ينتهي به إلى أن يخرج من الأنانية المنحطة في التكوين الإنساني إلى الإيثار الذي هو قمة التسامي، هذا هو التقدم، هل بوش راكب الشبح أكثر تقدمية بالمفهوم الإنساني البحت؛ من محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- راكب الجمل أو الناقة؟!



محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها»، ويخبرنا في حديث آخر عن بغيٍّ عاشت فاجرة، رأت كلباً في الصحراء يأكل الثرى من العطش فرقت له ونزلت إلى البئر فملأت خُفَّيْها وظلت تناوله؛ حتى شرب وهدأ واطمأن، فشكر الله لها فغفر لها، هذه هي التقدمية.



لكن تقدمية المادة وتقدم العلم التجريبي ما ثمرته؟ لم يزد عن أن طور مطعم الإنسان وملبسه ومسكنه ليصبح مثله مثل البقرة في قصر من ذهب، بينما لو وُضع الراعي في حظيرة البقر وكان إنساناً يظل إنساناً متقدماً، هذه هي المعايير.. أما اللعب بالمفاهيم واللعب بالألفاظ فهي أولى خطوات الغزو الفكري، وأول مرحلة في تهيئة العقل المسلم للتقبل السلبي، وشحن المصطلح الجديد بما يغري.



ورد على سؤال: في التعامل مع النص الشرعي؛ كيف تكون مسلك الحداثيين في ظل القطيعة؟



يرد الدكتور إبراهيم الخولي: بداية إذا كان هدفنا من دراسة الكتاب والسنة الوقوف على مراد الله من خطابه، فهم ينفون القصد جملة؛ إذن دخل عنصر جديد، ومعنى هذا أنه لا يعنيهم في تناول القرآن الكريم أو تفسيره أن يسألوا ما مراد الله من هذه الآية ماذا تعني: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]؛ ماذا يعني: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ} [المائدة: 38]؛ إذن ليس الهدف الآن معرفة مراد الله من هذا الخطاب، وبالتالي آيات الأحكام تسقط.. ليس هناك آيات تشريع.. تسقط ويصبح النص القرآني كأي نص قابل للتأويل، وهذا يدخلنا في التأويلية والتركيز على المتلقي، والمتلقي في النهاية سيقرأ قراءة فاسدة وجميع قراءات النص تكون بذلك قراءات سيئة، وهذا يفضي إلى فوضى القراءة، ويصبح القارئ هو الذي يصنع النص، والنص يصنع بعدد قرائه.. أي فوضى هذه وماذا بقي؟ وتذهب: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] هباءً، ومنهج المسلمين الذي علمه القرآن إياهم أن من القول محكماً ومتشابهاً، وعلمهم منهج التناول، وكيف تحل إشكالية المتشابه بحمله على المحكم فيذهب إشكاله: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [كالحداثيين والتأويليين]، {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [ليس إيمان تسليم فقط، لكن تسليم مع] {كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، فنحمل المتشابه على المحكم فيزول الإشكال.. {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، تحمل على: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وتحسم القضية.. هذه الأصول ينسفها الحداثيون نسفاً.



وإجابة على استفسار: وجّه أحد المثقفين اتهاماً للقائمين على الثقافة في بلاده بأنهم ليس لديهم أي رؤية أو خطة أو تصور لتوجيه الثقافة خلال السنوات المقبلة، وهذا ما اعترف به وزير الثقافة، ألا يعد هذا تناقضاً بين واقع الحداثيين وبين ما يدعونه من تنوير وثقافة؟



يقول دكتور إبراهيم الخولي: هذا من طبيعة الأمور، فعدم امتلاك الرؤية يتماشى مع العبثية التي يحياها الحداثيون قلباً وقالباً، فهم لا يملكون سوى الشعارات والإلهاء، وهي حيلة المفلس، لقد فشل الحداثيون في جميع المشاريع التي رفعوها، ولم تزد عن أن تكون شعارات للاستهلاك الزمني لتخدير الأمة للانصياع لهم، ما تلبث أن تنكشف فتسقط ثم يرفع غيرها إلى حين، وإذا نظرنا إلى طبيعة الفكر الحداثي وجدناه ثورة على النظم والقيم، وإشاعة لروح التفسخ والانحلال، أو ما يسمونه في الغرب التفكيك، فلا غرابة عندي مـن افتقـاد هـؤلاء لأي رؤية هادفة.



وسؤال عن: كيف يمكن أن نقرأ الواقع الحداثي في ظل التناقضات الحاصلة؟



يقول إبراهيم الخولي: تناقضات المشهد الحداثي ومفارقاته لا تنتهي، وكل منها يعد فضيحة جديرة بأن تسقط دعاة هذا الفكر في بلادنا، وكثير منها يحتاج إلى تأمل، وتستثير السخرية.



فبينما هي تبشر الإنسان العربي بالحرية؛ إذ جاءت سحقاً للإنسان وافتئاتاً على الأمة المسلمة في امتلاك قرارها، وحيث يكون الكفر والشذوذ مطلباً ومأرباً تكون الحرية هي الشعار، وحين تصرخ الأمة بالأخذ على أيدي المفسدين وتطالب بالحرية المزعومة يرفعون شعار: «لا حرية لأعداء الحرية»، وهكذا نلحظ مفارقة ثانية هي خطيئة لدى الحداثيين حين تتحيز الحرية في مفهومها إلى حرية معينة يؤمن بها الحداثيون ويسعون إليها دون غيرها، ومن المعلوم أن النسبية التي يؤمنون بها تقتضي غير ذلك.



وحين ترفع الحداثة شعار التسامح نجد أن الحداثيين من أشد الناس عصبية وشراسة وعدوانية مع مخالفيهم وخصومهم، وهذا متسق مع المسلك الغربي الذي يدينون له تماماً، ولا نفهم كيف يكون التسامح في ظل نسبية الأخلاق أو قل انعدامها، ومن يعايش الواقع الحداثي أو يتابعه سيرى تورم الذات والعدوانية والشللية والإرهاب الفكري واستبعاد الآخر وإقصاءه، ليس مع المخالفين من غير الحداثيين فحسب بل حتى مع أبناء ملتهم من الحداثيين.



وإذا كان الحداثيون يرفضون التراث بزعم امتلائه بالأساطير والخرافات؛ فلماذا تشحن أعمالهم بالأسطورية سواء في الفن أو الأدب والشعر، ويرون في أساطير اليونان والرومان والهند والصين روائع يشاد بها وتضمن أعمالهم مفرداتها، بينما حقائق القرآن في نظرهم ميتافيزيقا وخرافات.


وبينما هم منفتحون تمام الانفتاح على الآخر؛ تجدهم منغلقين عن ذاتهم الحضارية الأصلية المتمثلة في الإسلام وأهله، فتعاملوا كما لو كان الآخر هو ذاتهم، وذاتهم الأصلية هي الآخر، ومارسوا أقسى ألوان التشويه وجلد الذات معها بحق وبغير حق.



ثم كيف يدعي هؤلاء التنوير وهم لا يملكون مشروعاً حقيقياً للنهضة وأعمالهم مبنية على الغموض والتفاهة؟ ويدّعون الجماهيرية وهم محبوسون في أبراج النخبوية العاجية؟ يرمون علماء الأمة بالكهنوتيــة وحـراسة الأفكار واحتكار تأويل النـص ـ وهم براء من ذلك ـ؛ ثم نجدهم يمارسون الكهنوتية ويحرسون حداثتهم بالحد والحديد، فيسفهون عقول المخالف لهم بحجة أنهم وحدهم الذين بلغوا الشأو في فهم الحداثة، ويحتكرون الإبداع، ولا يطيقون أن يقترب أحد بالنقد لأعمالهم مهما بلغت من الانحطاط؟!



ينفِّرون من الهوية الإسلامية بحجة طرح الرجعية جانباً من أجل التقدم، ولا يأنفون من الانتساب إلى حضارات بائدة حصرت الإنسان في المادة، وأشقته بالكفر وأرهقته بالظلم.



يسخرون ويستهزئون بأحكام الإسلام بينما يحتفلون بالهندوكية ويدينون بالإعجاب للبوذية!



ثم لماذا يتبنون الفكر الغنوصي وينشرون أدب جلال الدين الرومي وهرطقات ابن عربي، وتهويمات ابن الفارض، وكفريات الحلاج وأمثالهم من فلاسفة الحلول والاتحاد، ويجعلونها قرآناً ويقدمونها في ثوب التحرر، ويستخرجون من التاريخ صفحات الحركات السرية الهدامة التي شهدها التاريخ الإسلامي على يد القرامطة والزنج والحشاشين، ويقدمونها على أنها النموذج ويطمسون الصفحات المضيئة من تاريخ الأمة؟



ويرد على سؤال: الإبهام مفارقة من مفارقات الحداثة التي تدعي التنوير والتحضر، وهي سمة غالبة في شعر الحداثة ما سببها؟



قائلا: ظاهرة الغموض والإبهام في أدب الحداثة يتصور في حصوله عدة أسباب: أولها جهل أغلب الحداثيين باللغة ودلالات ألفاظها، وسبب ثان: ميل الحداثيين إلى نشر أفكارهم دون اصطدام بالأمة خاصة في حالات اليقظة وفي وضح الأمر، فهم يميلون نحو الغموض على طريقة الباطنية من أجل ترويج ما يريدون دون أن يلحقهم أذى. ومن الأسباب أيضاً العشوائية والعبثية والهذيان الفكري وعدم وضوح الهدف؛ حيث تشعر أن الواحد منهم لا يدري ذاته ماذا يريد، فهل يملك أحد من الحداثيين أن يجيبنا: كيف يكون الإبهام المطبق تنويراً؟ ومن هنا اضطر الحداثيون لفتح باب التأويلية والبنيوية والتفكيكية، وهو ما أدى إلى الفوضى وما بات يعرف بالتشظي.



الحداثيون لا يدركون ماذا في نسيج هذه الحداثة أصلاً من تراثنا المسروق، ولو أخذنا (دي سوسير) مثالاً وهو أس وقاعدة البنيوية وما وراءها، لو أردنا أن نقيم مقارنات بين ما طرحه من فكر وبين ما كتبه عبد القاهر الجرجاني تحديداً في «الدلائل والأسرار»؛ لقلنا إن (سوسير) يرى صورة عبد القاهر في مرآة نفسه وينقل منها، إن أساس فكر (دي سوسير) اللغوي هو التفرقة بين اللغة والكلام، وهذا ما طرحه عبد القادر تحديداً، وهو منطلق فلسفة عبد القاهر اللغوية والبلاغية، وإذا كان الغرب لا يزال حتى الآن يشقشق حول المعنى والمضمون والبنية، فإن عبد القادر بضربة قاضية قضى على «ثنائية اللفظ والمعنى» منذ عهد باكر بـ «نظرية النظم»، وقدم لنا نظرية لغوية بلاغية في آن معاً، وهذا ما لا نرى له نظيراً في كل شقشقات الغرب حتى انتهاء بـ (ريشاردز) الذي يسمى بأبي النقد الغربي الحديث، ثم ما أنتجته والحداثة ثم البنيوية وما إليها؛ انتهى به الأمر في النهاية إلى تخليهم عن كل ذلك.



وفي سؤال عن: قضية المرأة قضية لها محوريتها ضمن أجندة الحداثة العربية خاصة في ظل العولمة، بما تحمله من هجوم على جميع القيم التي تحفظ للمرأة فطرتها وعفافها؛ سواء كان الحجاب أو الأسرة والزواج أو القوامة؟



موقفهم من المرأة امتداد لمبدأ اللذة والشهوانية الذي يدينون به، حين تحتشم المرأة وتخفي زينتها وتتستر.. حين تعتز بطهرها؛ يُحرم هو من هذا التمتع الذي جعله الإسلام تمتعاً حراماً حين أمر بغضِّ البصر وحين وحين وحين...، هو يريدها سلعة مباحة، والمرأة الآن في المنطق الغربي سلعة مباحة.. بكل المعاني حين توضع فتاة الغلاف.. حين تستخدم في الإعلان، وحين تقدم في الحانات للمتعة، وحين يقال إن نص القرآن ليس فيه لفظ حجاب؛ فإن هذا كذب على الله، واتجار بأمور لا يفقهون منها إلا ما لقنهم أربابهم من المستشرقين؟



وعن السؤال: يرى بعض المراقبين للساحة الإسلامية والعربية أن تغلُّب الحداثيين على الساحة وإقصاء قوى الأصالة ليس إلا صورة من صور التغلب بالقوة، وأن الهزيمة التي منيت بها هذه القوى لم تكن أبداً ثقافية، وإنما أمنية بالدرجة الأولى، ولعل أقرب تعبير يحضرني في تصوير آليات المواجهة هو تعبير تشومكسي في توصيف السلوك الأمريكي بـ «إسكات الديمقراطية» مع الفارق طبعاً، كما أنه أشبه بسلوك شارون في المواجهة مع الفلسطينيين، هكذا يصنع الحداثيون، فإذا كان الأمر كذلك فكيف تُتصور المواجهة؟



يرد الدكتور إبراهيم الخولي: المواجهة مع العلمانيين تتناول كل الأبعاد، تتناول ما يطرحه كفكر، تتناول دعوته وتبشيره لهذا الفكر، وتتناول موقفه العملي في ضوء هذا الذي يتبناه من الدين والتراث عندنا كوني أنتهي في النهاية إلى إصدار حكم عليه أو لا أصدر حكماً ليست هذه هي القضية التي تعنيني، لكن أقول ما يطرحه فلان من الحداثيين ينتهي في التقويم الإسلامي إلى كفر، ما يبشر به ينتهي إلى حرابة في مجتمع الإسلام، حين يدعو إلى الإلحاد، فحين يأتي علماني يعتقد ما يشاء.. في جلساته الخاصة هو حر، لكن حين يعتلي منابر إعلام ومنابر فكر وينشر ويدعو ويصبح داعية إلحاد في مجتمع المسلمين؛ يدخل تحت حد الحرابة والإفساد في الأرض، فإن لم يتب يطبق عليه حد الردة وحكمت المحاكم على أمثال هؤلاء بالردة وإن كانوا هربوا أو أخرجوا، وأذكر هنا قول الله ـ عز وجل ـ: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْـمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْـمُرْجِفُونَ فِي الْـمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلا قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيـلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 60 - 62]. سنة الله في المجتمعات قاطبة أن تطهر مجتمعاتها من الهدامين فيها، الشيوعيون صنعوا هذا والرأسماليون والدنيا كلها تطهر مجتمعاتها مما تعتقد أنه هدم، ونحن بالمقياس الإسلامي عادلون تماماً، وإلى أبعد حدود التجرد في إعطاء هؤلاء حق أن يعتقدوا ما يعتقدون، لكن حين يتحول من معتنق إلى داعية وإلى مبشر وإلا فلم نواجه نحن التبشير في بلادنا فلنترك هؤلاء على الأقل يبشرون بدين يزعم له أنه دين، لكن أن يبشر بإلحاد، وهؤلاء جميعاً ينطبق عليهم قول الله ـ تعالى ـ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: 23] نحن لا نحاول مع هؤلاء إلا بمقدار إقامة الحجة عليهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].



ولتحميل كتابه المشهور التعريض في القرآن الكريم:


http://rapidshare.com/files/17714452...i-alquraan.pdf



http://www42.megaupload.com/files/91...i-alquraan.pdf



http://www13.flyupload.com/dl?fid=45...WFBo1X9XcSfLwg



وفيما يلي بعض الحلقات والخطب للدكتور إبراهيم الخولي:

















0 التعليقات:

إرسال تعليق