الخميس، سبتمبر 17، 2009

كفانا جهلاً

كثيرا ما نسمع بعض الشيوخ الفضلاء مع احترامي لهم، يحاولون أن يروجوا أو يدعوا أن بعض الابتلاءات التي تصيب بعض الناس هي بسبب فسوقهم. فرغم سعي هؤلاء الشيوخ الواضح إلى إشاعة الأخلاق النبيلة، إلا أنني أعيب عليهم أن يقعوا فريسة لمثل هذا الدجل الذي لا يتسق مع العقل، فتجد شيخا يعرض صورة ليد مريض مصابة بمرض غريب فيدعي أن الله ابتلاه بهذا المرض لأنه كان يستخدم يده في ارتياد المواقع الإباحية، ولو رأيت الصورة، يرقى إليك الشك من الوهلة الأولى أنها ربما تكون صورة غير حقيقية، وربما يكون هو نفسه وقع ضحية لمن تلاعب بالصورة ونشرها محاولا الادعاء أن سبب ما حدث لصاحبها هو لأنه كان يرتاد المواقع الإباحية. وحتى لو حدث ذلك بالفعل وقام الشيخ نفسه بتصويرها لمريض حدث له هذا الابتلاء، فليس هناك ما يثبت أن ما حدث لهذا المريض هو بسبب فسوقه. وغير ذلك الكثير من مثل هذه الادعاءات.

وقد اخبرنا الله تعالى في القران الكريم عن أقوام أصابهم بالهلاك لما فسقوا، فهذا يختلف عما يحدث الآن، لان ذلك حدث في الماضي واخبرنا عنه الله تعالى في آيات كثيرة في القران مثل قوله تعالى: ((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)). ولا يمكننا أن نزعم حاليا أن أي ابتلاءات تحدث لمجموعة من الناس أو لشخص أن هذا عذاب من الله لان الله غاضب منهم بسبب فسوقهم؟ كيف نقول ذلك وان الله لم يخبرنا بذلك كما اخبرنا عن الذين عاقبهم في الماضي؟ وحتى لو أراد الله ذلك فلا يجب أن نقول انه أراد، لسبب بسيط جدا لأننا لا نعلم بكل حكم الله بدليل أن هناك فاسقين لا يحدث لهم أي ابتلاء حتى يموتون. صحيح أن الله تعالى أورد لنا هذه القصص لنتعظ ونرعوي، ولكن هذا لا يسوغ لنا أن نعزو أي ابتلاء لشخص انه عقاب له.

وقد ذكرني هذا بحادثة الزلزال الأخيرة التي وقعت بالقرب من المدينة المنورة بالسعودية، التي سارع كثيرين من من يروجون لمثل هذه السخافات، بالإساءة لهؤلاء القرويين الطيبين والمكلومين في نفس الوقت بأن أشاعوا حسب زعمهم أن الله أوردهم هذه التهلكة بسبب فسادهم وسوء أعمالهم، وهذا أمر مضحك جدا، أن يحاول الناس الإيحاء للآخرين بأنهم يعلمون الغيب ويقولوا لنا ما أراده الله بهذه الظواهر الطبيعية والنواميس والقضاء والقدر. وكذلك كارثة كاترينا في أمريكا وتسونامي في اندونيسيا التي ادعى كثير من الشيوخ أنها كانت عقابا.

ولو كان يعاجل الخالق الفساق بهذا الشكل لخسف بجميع أهل الأرض إلا من رحم ربي لأنه يندر أن تجد إنسانا لم يفعل منكرا، بما فيهم هؤلاء الشيوخ أنفسهم، فتحد الواحد منهم، يفتي ويحذر ويرغي ويزبد في الفضائيات وتجد أن في بيته خادمة يسومها أهله وربما هو بطريقة غير مباشرة سوء العذاب وغيرها من المخالفات الشرعية التي لا يقرها ديننا الحنيف ابسطها انه لا يعطيها راتبها أو يجبرها على العمل من دون اخذ أي راحة مقابل حفنة من الدراهم قد يعطيها لها أو لا يعطيها لها ناهيك عن المعاملة الحقيرة وربما التحرش بها من قبل أبناءه أو هو.

أتحدى هؤلاء الشيوخ أن يثبتوا لنا بطريقة علمية أن ما يحدث لهؤلاء الناس هو بالفعل عقاب من الله بطريقة علمية، وطبعا هذا مستحيل إثباته اللهم إلا إذا كان الواحد منهم عالم بالغيب وبعلم الله وإرادته وحكمته.

كما إنني لأعجب من بعض الصالحين الذين يموتون ميتة فظيعة سواء كان ذلك بحادث سيارة شنيع أو بالحرق أو بالغرق أو القتل أو بأمراض منفرة وفظيعة، فلماذا لا نقول أن هؤلاء ماتوا بهذه الطريقة البشعة لان الله غاضب منهم؟ وبالمقابل هناك ملايين السفاحين وعتاة المجرمين والفاسدين الذين عرفوا على مر التاريخ ماتوا ميتة هادئة وهينة، فلماذا لم يحيق الله بهم العذاب في شكل ميتة شنيعة؟ وبنفس المنطق، هل لنا ان نعزو فقر وجهل كثير من المجتمعات الافريقية والاسوية على انه عذاب مسلط من الله على هؤلاء الناس؟ ام ان هذا بسبب كسلهم وتقاعسهم عن العمل ومحاولة المعرفة والنهوض كما فعلت الامم الاخرى؟

ما أريد الوصول إليه هو أن نترك مثل هذه الادعاءات حتى ولو كان ذلك لأسباب نبيلة إذ أن هناك طرق كثيرة لنصح الناس. فالله تعالى وحده هو الذي يعلم كيف يقبض روح عبده بالطريقة التي يشاء والحكمة من ذلك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق