الأحد، سبتمبر 20، 2009

كفانا جهلا وتخلفا (2)

يشن كثير من الناس في مجتمعاتنا هجوما قاسيا على أي عمل فني أو أدبي بناء سواء كان درامي، أو في شكل عمود صحفي نقدي أو أي عمل ينتمي لأجناس الأدب الأخرى ينتقد السلوكيات السالبة التي لا تحصى ولا تعد في بلادنا العربية كافة، ومن أمثلة هذه الأعمال مسلسل طاش ما طاش، أفضل مسلسل من حيث البناء الدرامي والتكنيك والحرفية، ومزجه للنقد البناء في قالب كوميدي خفيف، مقارنة بجميع المسلسلات الأخرى التي قدمت في جميع التلفزيونات... ورغم ذلك يزعم هؤلاء المهاجمين أن هذه الأعمال تسيء للعلماء، وذلك فقط لأنها تجرأت وانتقدت علماء الدين والولاة وبعض السلوكيات السالبة التي يدعون إليها من ضمن ما ينتقدون.

وهل علماء الدين والولاة آلهة كلامهم منزل من السماء؟ أم أنهم أناس يصيبون ويخطئون كباقي البشر؟ أما شاهد هؤلاء احد النواب الأمريكيين الذي وقف وصرخ في وجه الرئيس أوباما وقال له: أنت كاذب... (زودها حبتين إضافة إلى أن أسلوبه فج) حدث ذلك أثناء مناقشة قانون التأمين الصحي الأخير... ماذا كان سيحدث لمثل هذا الرجل لو كان باراك أوباما واحد من رؤسائنا (المعتقين في كراسيهم)؟

طبعا من اجل محاربة الأصوات التي تنتقد السلوكيات السالبة... لا بد من خلق مبررات تصل إلى حد تكفير من ينتقدونها في مجتمعاتنا، للأسف هذا أسهل الطرق لإسكاتهم. في الوقت الذي يجب أن ينالوا الاحترام ويتم تكريمهم وتقديم الجوائز لهم، لأنهم ينبهوننا إلى أخطائنا من اجل الصالح العام.

لقد شاهدت جميع الحلقات تقريبا... ولا أرى فيها أي إساءة للدين الذي هو لكل البشر وليس لفئة معينة... وحتى ولو كان هناك أخطاء، إذ لا يخلو أي عمل من الأخطاء، فلا يجب على من لا يرق لهم أسلوبه أن يدعو إلى إقصاءه، بل بتبيان ما هي الأخطاء التي وقعوا فيها حتى يتجنبوها في الأعمال القادمة.

يخطئ من يظن إن انتقاد مكبرات الصوت ليس واجبا... وطاش ما طاش ليست هي التي دعت إلى ترشيد استخدامها في المساجد وغير المساجد (كما في السودان قصر زمن الافراح حتى الحادية عشر ليلا)... بل هناك قرار رسمي صادر من الأوقاف في السعودية وفي كثير من الدول العربية والإسلامية يمنع إساءة استخدام مكبرات الصوت... ولكن رغم ذلك للأسف نجد كثيرا من الأئمة يصرون على أذية المسلمين مثل المرضى وكبار السن والأطفال وعمال النوبات الليلة الذين يتحتم عليهم اخذ قسط من الراحة والنوم في أوقات معينة، إضافة إلى تداخل أصوات المساجد بعضها ببعض، الأمر الذي يشوش على المصلين، والصوت في بعض المساجد يكون عاليا لدرجة انه يؤذي الجالسين أثناء الخطبة وتأدية الصلوات... يقول الله تعالى في محكم تنزيله في سورة الأحزاب الآية 58: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).

وهذه الأذية لا تقتصر على هذا الأمر فقط بل على الكثير من السلوكيات التي نشهدها في مجتمعاتنا... مثل عدم جدية الأئمة وولاة أمور البلاد العربية على محاربة التدخين في الأماكن العامة... وأماكن العمل والمطارات وبالقرب من الأطفال في البيوت، بل وجوب الدعوة إلى منع التدخين تماما لأنه يسبب الأذى للناس، بل أن انفاق الدول لأموال طائلة بالعملة الصعبة تدفع لعلاج من يصابوا بالسرطان بسببه يعتبر أذىً لبقية المسلمين وتبديدا لأموالهم، وغيرها من الأمور السلبية الكثيرة التي يجب أن يتصدون لها.

وفي الوقت الذي يعتبر الدين الإسلامي هو دين الوسطية ودين محاربة كل السلوكيات السالبة والمشينة ودين الشورى والتي هي أم الديمقراطية... إلا إننا رغم ذلك نجد كثيرا من الناس هداهم الله... لا يعملون بهذه الأسس في كثير من أوجه الحياة... يريدون أن يفرضوا آرائهم التي يمكن أن تصيب وتخطئ على الناس بتكميم الأفواه ومصادرة حق التعبير عن آرائهم بدون حجر... وربما لا تسند آراء هؤلاء الأئمة في كثير من الأحيان أرضية صلبة في التشريع وفقما دعا الله عز وجل ورسوله الكريم... بل ربما تستند بعض آرائهم إلى عادات وتقاليد واجتهادات شخصية أكثر من استنادها إلى نصوص واضحة وصريحة لا تحتمل التأويل.

نحن نريد أئمة وولاة غير متشددين.. يقبلون بالنقد والتوجيه إذا اخطئوا... أئمة يكونوا غدوة للشباب المسلم ورمزا للعمل والكدح والاجتهاد في المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية التي يمكن أن تدفع عجلة التطور التقدم إلى الأمام... حتى نخرج من اسر التخلف والاستهلاك والاتكال على صناعات واكتشافات وافكار الأمم الأخرى... ونصبح أمم قوية اقتصاديا واستراتيجيا وعلميا وفكريا وثقافيا ودينيا لتكون لنا الكلمة العليا والمسموعة ويخشانا الآخرين، وبالتالي يحترموننا ويحترمون ديننا، الأمر الذي سيؤدى إلى انتشاره أكثر بلا جدال.

ولتعلموا أيها الأئمة والولاة إننا نحبكم في الله، ومن يحب إنسان يتمنى أن يراه دائما قريب من الكمال، ولأننا نحبكم لا بد من ضريبة لهذا الحب والتي يتوجب عليكم تحملها... ألا وهي أن يتسع صدركم للنقد... وان تكون لديكم روح رياضية إذا انتقدناكم... إذ لا يوجد شيء في هذه الحياة من دون مقابل... حتى العبادات والطاعات التي نؤديها لله... نؤديها طمعا في الثواب والجنة والنجاة من عذابه، كما إننا نحب أن يرى غير المسلمين إننا شعوب جديرة بالحضارة... وإننا فعلا نستحق هذا الدين العظيم.

إن معظم الذين يعتنقون الدين الإسلامي... إنما يعتنقونه بعد أن تتاح لهم الفرصة ويطلعوا على قيمته ومنطقية دعوته بعكس الأديان الأخرى... وهذا سبب اعتناقهم للإسلام. تخيلوا لو اقترن هذا بأن يلمسوا حرصنا كمسلمين على سلوكيات متحضرة في حياتنا اليومية تتماشى مع فلسفة ورُقي ديننا الإسلامي... كم سيكون هذا وقعه عظيما على غير المسلمين؟ وما مدى الأثر الذي سيتركه في نفوسهم... ليجعل أضعافا مضاعفة من البشر تهوى افئدتها اهتماما وفعلا بهذا الدين الحنيف وتعتنقه؟

ولعمري أن محاولة تكميم الأفواه من قبل أئمتنا وولاة أمورنا والإصرار على الأخطاء سيجعلنا محلك سر... وسوف لن تقوم لنا قائمة أبدا بين الأمم، والإسلام حثنا لنكون امة عظيمة... لأنه ليس بالدين وحده يحيا الإنسان... فالدين هو الجانب الروحي المنظم الذي يكمل الجانب العملي في الحياة لإعمارها، والآيات والأحاديث في القران الكريم التي تدل على ذلك لا تحصى ولا تعد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق