اتفق مع ساركوزي ولا اتفق معه، حيث أن اصل دعوى رفض النقاب ليس هو أول من أثارها... فقد أثارها الكثيرين غيره بغض النظر عن ديانتهم. واتفاقي معه هو أن ما يسمى بالبرقع الطالباني والنقاب هو عبارة عن سجن للمرأة (بالمقاييس الغير إسلامية) أي من وجهة نظر غير المسلمين، ولا أريد أن ادخل في جدل حول هل البرقع والنقاب هما من الإسلام أم لا.
وعدم اتفاقي معه هو أنني ضد الوصاية على الناس وإنكار ما يرغبون في لبسه، حتى ولو رغب الإنسان أن يغطي نفسه بطبقة من حديد فهو في النهاية حر فيما يريد أن يلبس على شرط أن لا يتسبب سلوك الشخص مهما كان في الإضرار بالآخرين أو تترتب عليه مشاكل للمجتمع من أي زاوية بما فيها الدينية.
ورغم تشجيعي لحرية اختيار اللبس لجميع الناس وبغض النظر عن المعتقد والدين، إلا أنني ضد إجبار الإناث تغطية وجوههن واكفهن هذا طبعا من الناحية الإسلامية، لأن هذا كما هو معروف فيه آراء مختلفة، وذلك نلمسه جليا في الحياة العامة في اختلاف وتباين حجاب الإناث في البلاد الإسلامية، إذ أن غالبية المحجبات يرتدين حجاب يلتزم بالمقاييس الشرعية مثل أن يكون فضفاضا وغير شفافا أو ضيقا ويستر جميع الجسم ما عدا الوجه والكفين ولونه غير صارخ.
ورغم أنني ضد أن تكشف أي امرأة في الدنيا عن أي شيء في جسمها سوى وجهها وكفيها للرجال الأجانب (لكن ما نيل المطالب بالتمني)، إلا أنني ضد إرغام الإناث (جميع الإناث) بان يفرض عليهن زي معين مهما كان كما يحاول ساركوزي أن يقول... فموضوع الزي موضوع نسبي تدخل فيه عوامل كثيرة تتعلق بالبيئة والثقافة ودرجة الوعي، كما أن الفطرة تعود إلى اصل الإنسان وولادته عاريا، وانه حتى وقت قريب كان يعيش في كثير من مناطق العالم النائية نساء عاريات تماما، ونساء يضعن بعض الخرز أو خيط جلدي والذي تطور من غطاء كان مجرد حبل بنفس الحجم كان يصنع من الأعشاب قديما. وما يزال يعيش حتى يومنا هذا إناث في مناطق معينة في الكرة الأرضية في بعض أحراش إفريقيا والأمازون ومناطق أخرى في جزر نائية عاريات الصدور ولا يغطين من أجسادهن إلا منطقة الأعضاء التناسلية من الأمام فقط.
وهذا ببساطة أمر منطقي لأن الحياة مبنية على التنوع وعلى الاختلاف، ولو لا التنوع والاختلاف لما كانت هناك حياة أصلا - جاكس
اتفاقي الجزئي مع ساركوزي يأتي من باب احترام الثقافات والمعاملة بالمثل، فكما هو معروف لا يمكن لفرنسية متعودة على لبس (البكيني من غير هدوم) أو أنثى آتية من أحراش الأمازون من النوع الذي يضع قطعة جلدية فقط، أو أمريكية من النوع الذي يحلو لها أن تشعر بالزهو عندما ترتدي شورت ضيق يظهر خريطة أعضاءها من الخارج وتتجول به في شوارع نيويورك... أن تأتي مثل هؤلاء النسوة (الفاجرات في نظرنا) ويستعرضن مؤهلاتهن الجنسية في كورنيش الدمام أو كورنيش بورتسودان أو الكويت أو دبي. فلا بد لها من أن تكبّر دماغها (الصدئة) وتعرف أن هناك شيء اسمه احترام دين وثقافات واحترام مشاعر. نفس الأمر ينطبق على مصرية أو لبنانية أو سودانية تبيح لها ثقافتها أن تتجول في شوارع لبنان أو الخرطوم أو القاهرة وهي ترتدي البلوزة والميني جيب فقط وتكون حاسرة الرأس، عارية الصدر ومبدية كليفيجها (منطقة ما بين النهدين) على وزن ما بين النهرين، وتقول أنا والله حرة وإنسانة متحضرة... ثم تتجول بلباسها هذا في شوارع معظم المدن الخليجية، طبعا هذا لا يعقل ومرفوض تماما على الأقل من باب احترام مشاعر خلق الله الذي يمشون في الشوارع، فهي مطالبة... وبغض النظر عن أي قوانين، أن تحترم معتقدات وعادات وتقاليد البلاد أن تحاول أن تستر (بلاويها).
نفس الأمر ينطبق بدرجة معينة بالنسبة لأنثى (طالبانية) عندما تزور فرنسا مثلا، يجب أن لا تأتي إلى فرنسا بقصد السياحة وترتدي خيمتها الغريبة (من وجهة نظر الباريسيات الحسان) وتتجول في شوارعهن، وفي اعتقادي أن من حق هؤلاء الباريسيات البكينيات (نسبة للبكيني وليس بكين عاصمة الصين) أن يشعرن بشيء من الاستفزاز حتى ولو كان بطريقة غير مباشرة. ولنكن منصفين، انه ليس هناك عاقل سيطالب هذه الطالبانية أن تتحول 360 درجة عن الفضيلة وخط الاستواء وترتدي بكيني بدلا عن خيمتها (خير الأمور أوسطها)، ولكن على الأقل يجب أن تترك خيمتها هذه للتجول بها في شوارع كابول، وتستطيع هناك أن تضع إصبعها في عيني أي شخص يتجرأ ويقول لها لا ترديه، وتلبس هنا في فرنسا حجابا إسلاميا محتشما وساترا مع كشف وجهها وكفيها فقط ويمكنها أن تختار أي لون غير صارخ. لا اعتقد أن رئيس فرنسا (الغريب الأطوار) أو أي باريسية بكينية سيقفان ويتجرءان ويقولا لها أننا نشعر بالتحقير أو الإساءة من هذه الطالبانية المحتشمة، مقارنة فيما لو ارتدت خيمتها الرمادية العجيبة، تماما مثل أي أمريكية محافظة تزور باريس وهي ترتدي جيبة طويلة وبلوزة بأكمام طويلة قريبة من أزياء المسلمات وهو نفس زيها الذي اعتادت عليه في موطنها نيويورك... وما أكثرهن من أمريكيات غير مسلمات محتشمات وقس على ذلك كثير من غير المسلمين في جميع أنحاء العالم، ويجب أن لا ننسى أن هناك كثير من المسيحيين وغير المسيحيين من إتباع الديانات الأخرى المتمسكين بالقيم والمبادئ التي تدعو إلى الفضيلة، ويدعون إلى الحشمة بدرجة تكاد تكون قريبة منا نحن المسلمين في توجهم هذا وترى نسائهم محتشمات إلى حد كبير.
اعتقد أننا جميعا لاحظنا كثير من المسلمات عندما يسافرن إلى أوروبا يتحللن من أزياءهن التقليدية ويلبسن أزياء أخرى محتشمة تماما مثل التي ذكرتها أعلاه وغالبا ما يكون بنطلون جينز ومن فوقه تنورة طويلة، وبلوزة ذات أكمام طويلة وزي فضفاض ومحتشم مع تغطيتها لشعرها وصدرها بقطعة رأس، هذا ليس معناه أنها أنثى فاجرة، لأنه في اعتقادي انه ليس بالضرورة أن تلبس الأنثى خيمة طالبانية حتى تكون ذات أخلاق (ما تخرش الميّة). بل إنها ربما ارتدت هذا الزي المحتشم من باب عدم لفت الأنظار إليها حتى لا تتأذى، أو إنها ربما تريد أن تحترم مشاعر مواطني المدينة التي تزورها أو حتى لا تتعرض لنوع من الاستفزازات من بعض (الصيّع) من شباب تلك المدينة الأوروبية (كما في لندن)، أولئك الشباب المصابين ببعض الأمراض العنصرية والذين يهاجمون أي رمز إسلامي.
مما سبق أظنك أخي قارئ إدراجي هذا ستشعر أن الموضوع حساس وصعب، ولا حل له (سوى المنهج الوسطي واحترام الغير) وهذا أمر طبيعي لان شيمة البشر الاختلاف والتنوع، وسيظل الناس في جميع أنحاء العالم يعانون من مثل هذه التباينات الثقافية والمعتقدية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومن يعتقد بغير ذلك فهو جاهل. والإنسان الميتروبوليتان الذي يعرف ما هي شروط العيش في القرية الكونية الكبيرة في القرن الواحد والعشرين هو ذلك الإنسان الذكي الفنان المرهف الإحساس الذي يستطيع أن يحول جلده الى جلد حرباء حتى يقدر على التعايش مع كل شيء، والذي إذا أراد أن يوصل فكره للآخرين أن يستعين بالحكمة واللين في خضم هذا الشيء الكبير الذي يسمى الكون.
هل كلامي هذا غلط يا جماعة؟
الله ورسوله اعلم
0 التعليقات:
إرسال تعليق