الطعن في المسيار يُسيء للإسلام

لقد صدرت الفتوى من هيئة إسلامية رفيعة، وصادق عليها خيرة علماء المسلمين، وقالوا انه كان يمارس في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن باسم مختلف وكان يعرف بزواج النهاريات إذا لم تخني الذاكرة، وانه زواج صحيح ويلبي حاجات بعض الفئات، خصوصا النساء اللاتي لديهن ظروف خاصة تجعلهن يحبذن التنازل عن حقهن في السكن والنفقة، كل ذلك تتنازل عنه المرأة للزوج راضية مرضية وباختيارها، وهذا في اعتقادي واعتقاد الكثيرين كلام طيب ولا غبار عليه ما دام انه زواج صحيح، ويزيد من فرص كثير من العوانس والمطلقات والأرامل في الزواج على سنة الله ورسوله، ومن ناحية يخفف على الأزواج الفقراء اللذين لا يستطيعون النفقة على زوجاتهم أو إسكانهن، ربما لفترة مؤقتة حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا ربما بتغير الأحوال، وتحوله بعد فترة من الزمن إلى زواج تقليدي، أو قد تفشل العلاقة كما تفشل في الزواج العادي، حيث انه لا توجد قاعدة معينة في تآلف قلوب البشر بعضها البعض، وكل الفلسفات والنظريات وتشدق المتشدقين وعلماء الاجتماع لن يغير هذه القاعدة الأزلية أبدا حتى قيام الساعة، هكذا هي طبيعة الأمور.

استفاد الكثيرين من هذا الحق، ولكن للأسف الشديد استقل بعض ضعاف النفوس، الذين لا يخافون الله نتيجة لضعف وازعهم الديني، استغلوا هذا الحق، فانحرفوا بالمسيار عن المسار، وغيروا دفته ليتخذوه ستارا لممارسات هي إلى الزنا اقرب، واستظلت سلوكياتهم السيئة المقيتة تحت عباءة أمر شرعي وحلال. فسمعنا أخبار تلوكها الألسن والصحف عن كثير من النساء للأسف ضبطن وقد تزوجن وطلقن أكثر من مرة، واتخذن هذه الرخصة وسيلة للكسب واستغلال طالبي زواج المسيار من الرجال تماما كما تفعل الداعرات والعياذ بالله، بل تعدى الأمر أن قامت بعضهن بالجمع بين أكثر من زوج في وقت واحد. والأتفه من ذلك إنني قرأت عن ضبط زوجة اتفقت مع زوجها للتغرير بالرجال وإيهامهم بالزواج، وما أن تسلبه أمواله تنسحب وتكون كأنها فص ملح وذاب، وتتكشف له الحقيقة المرة، والمسكين لا يستطيع أن يشتكي أو يطالب بماله مخافة الفضيحة.

ومن المعروف انه عندما يسيء الناس استخدام رخصة معينة فهذا لا يعني بالضرورة أن هذه الرخصة سيئة، فزواج المسيار صحيح مائة بالمائة ويخدم مصالح كثير من المسلمين والمسلمات من غير شك، ولكن ممارسة البعض هي الخطأ، وكان حري بالمسلمين الذين لجئوا إليه أن يخافوا الله ويراعوا حرمته، ويعتبرونه زواجا عاديا لا يختلف عن الزواج التقليدي في شيء غير أن الزوجة لظروفها الخاصة تتنازل للزوج عن المبيت والنفقة برضاها. من وجهة نظر (العبد الفقير لله) لا أرى أي مشكلة في زواج المسيار إذا استخدمه الناس بمخافة من الله ومراعاة لنواهيه، وإذا اعتبره الناس ميثاقا غليظا بينهم وبين خالقهم واحترموا آدابه، وان لا يتخذوه غطاء لممارسات تافهة وحقيرة. والأمر نفسه ينطبق على الزواج التقليدي، فليس من المعقول أن نقول انه زواج سيئ إذا قام كثير من الأزواج بممارسة الخيانة الزوجية أو قامت الزوجات بالجمع بأكثر من رجل في وقت واحد، فهل في هذه الحالة نحظر الزواج التقليدي؟.

وما دام الأمر كذلك فإنني أرى إن أي إنسان ينتقد زواج المسيار إنما يعطي انطباعا لغير المسلمين أن هناك خللا ما في تشريعاتنا وديننا، ويظهرنا هذا التضارب مظهر المتلاعبين، فكيف تجمع هيئة إسلامية مخضرمة تمثل طيفا كبيرا من علماء المسلمين بصحته وتثبت لنا انه كان يمارس في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يأتي بعض العلماء والناس بسبب انه لا يروق لهم حسب منطلقاتهم الذاتية وأمزجتهم، فيقولون انه غير صحيح وانه يدعو إلى كذا والى كذا؟ وكان الأحرى بهم أن يوجهوا كلامهم للفئة التي أساءت وينتقدوا الممارسات السالبة، لا التشريع نفسه، وان لا يساووا بين المستفيدين من هذا الحق الذين لم يسيئوا إليه بمن أساءوا إليه، فهل يعقل انه لا توجد نساء في مجتمعاتنا الإسلامية أجبرتهن ظروفهن على اللجوء لهذه الطريقة وفي نفس الوقت التزمن بقدسيته كزواج تقليدي ولم يزنين أو يرتكبن سلوكيات استغلالية سيئة؟ الإجابة المؤكدة طبعا إن هناك الكثيرات من النساء الصالحات اللاتي يخفن الله واللاتي استخدمن هذا الحق ولم يقمن بأي سلوكيات تغضب الله.

أنا شخصيا بالرغم من أنني لا أفضل أن ألجأ لمثل هذا الزواج، إذا كان لجوئي إليه بسبب ضمان سرية علاقتي عن زوجتي، لأنني لست من الجبن أن اعدد على زوجتي دون أن اخبرها كما يفعل كثير من الرجال، ما لم أكن غير متزوج، وإذا لجئت إليه بالسر كرجل سأعتبر نفسي إنسان جبان وأخاف من زوجتي وإنني رجل كالنعجة. وبالرغم من عدم تحبيذي له، إلا أن ذلك لا يعني أنني أنكره على الآخرين، أو لا أرضاه لابنتي أو لقريبة لي إذا دعتها ظروفها إلى اللجوء إليه، فظروف الناس ليست واحدة بلا شك. وبالمقابل إن إباحته لا تعني انه أصبح لزاما عليّ أن أمارسه والجأ إليه، فأنا عندما اكره شيء معين أو امقته، يجب أن احترم رؤى الآخرين.

إن المرء يحزن جدا عندما ينكر كثير من الناس هذا الحق على من لا يرى فيه بأسا وتضطره ظروفه للجوء إليه، فكما يقولون الجمرة تحرق من يطأها، وجلدا ليس جلدك جره في الشوك. فلماذا لا نترك الناس في حالها. وبدلا من وصف زواج المسيار بأنه زواج سيئ وانه قضاء وطر فقط وما شابه ذلك من نعوت، يمكننا أن ندعو الناس للورع وتقوى الله في أنفسهم وفي الآخرين، وان ندعو السلطات القضائية المعنية في كل بلد أن تضرب بيد من حديد على كل داعرة ومسيئة ومسيء لهذا الحق، وان يتم التشديد على منح رخصته في المحاكم، ولا تمنح إلا بعد التأكد من أن المرأة تتنازل عن هذه الحقوق هي فعلا لديها أسباب مقنعة، بعد التقصي من سيرتها من قِبل لجان يتم تعيينها لهذا الغرض.

سيناريو 1:
امرأة أرملة تخاف الله وعلى خلق وميسورة الحال، لديها أطفال وأولاد مراهقين، وترعى أب مريض وطاعن في السن، وهي الابنة الوحيدة التي بقيت لهذا الأب، وتريد أن تظل بارة به طالما هو في حاجة إلى عنايتها بدلا من أن ترميه في اقرب دار للعجزة، وهي تريد في نفس الوقت أن تعف نفسها، وان لا تلجأ للحرام، وتخشى بل تعلم أن مسئولياتها هذه ستؤثر على أي علاقة زوجية بالسلب، وستنفر الأزواج منها، فبالله عليكم ما المشكلة إذا تنازلت راضية مرضية عن حق المبيت والنفقة من زوجها طالما أنها ليست في حاجة لنفقته ولديها بيت وحالتها ميسورة، وما المانع أن يأتي زوجها يزورها من وقت لآخر ليمارس معها حقهما الشرعي في (الجماع) والمؤانسة متى ما أرادا وبعلم كل الناس وجميع أولادها وأبيها. وان يتفهم والدها وأهلها وأولادها المراهقين حقها هذا ويحترموه، ويقيموا علاقة صداقة مع زوجها برا بها وتقديرا للمعروف الذي تقوم به تجاه برها بوالدها ورعايتها لأولادها طالما أن هذا يسعدها ويشبع احتياجاتها العاطفية، ويعوا تماما لولا انه امرأة أصيلة ورضيت بالاضطلاع بمسئولياتها تجاههم لاختارت الزواج التقليدي.

سيناريو 2:
امرأة سيدة أعمال عملها وأسلوب حياتها يحتمان عليها القيام بأعباء ونشاطات وتنقلات تجعل الزوج يستاء منها وهي لا تريد إغضاب زوجها ولا تريد ترك عملها الذي ربما تعول منه أقارب كثيرين ولا مانع لديها من تنفق على زوجها منه بحسن نية، وهي امرأة عقيم ومطلقة وفي نفس الوقت امرأة صالحة ومحافظة على دينها وتخاف ربها، فهل يعني أن يكتب عليها أن تعيش بقية عمرها حتى تموت بدون زواج ومتعة جنسية، وهل يعني أن تظل في شوق واحتياج شديد لإشباع هذه الغريزة، وتظل تقاوم نفسها حتى يدفعها الشيطان للغرف من الحرام. لماذا نجبرها على الانحراف وحرمانها من هذا الحق المشروع؟

بالله قولوا لي ما المشكلة في ذلك يا عالم يا هووووووووووووووووووووو؟

ختاما... تبا لأناس لا يرحموا ولا يريدوا لرحمة الله أن تنزل... لا يرحموا في أنهم لن يستطيعوا تقديم البديل لهؤلاء المحتاجات والمحتاجين لمثل هذه الرخص وبالتالي إشباع احتياجاتهم ومشاكلهم، ولا يريدوا لرحمة الله أن تنزل، بكثرة (نقتهم) في الأمر حتى يتطور إلى أن تقوم السلطات بحظر الرخصة موضوع النقة، فتحرم شريحة كبيرة من الناس من الاستفادة منها، تماما كما فعلت تونس بخصوص حظرها تعدد الزوجات، والذي ما كانت لتلجأ إليه السلطات لولا نقة الكثيرين وفلسفتهم العمياء مما أدى إلى حظر التعدد ضاربة بتشريع الله عرض الحائط، وربما إرضاء لسادتهم الغربيين والذين لن يرضوا عنا حتى ولو اتبعنا ملتهم، وهو أمر خطير يتناقض مع الإسلام وتشريع الخالق سبحانه وتعالى. كما أن هذا يتناقض مع مبدأ الحياة الإنسانية المبنية على التنوع في كل شيء، إذ لا يمكن أن تجبر جميع الناس أن يعيشوا على نمط واحد ونحن كمسلمين لسنا مجبرين أن نحاكي الغرب في كل شيء حتى يرضوا عنا، فلا بد من وجود خيارات متعددة في كل المجتمعات حتى يصبح الإنسان حرا في اختيار ما يناسبه خصوصا إذا كان تشريعا إلهيا، ودور السلطة هو فقط أن تلعب دور المراقب والمحافظة على توازن الأمور في حياة الناس حتى لا تحدث الفوضى....

وجاكس يغريكم السلام.