لا شك ان المتأمل للمقال أدناه سوف يلمس شجاعة الكاتبة المخضرمة سوزان المشهدي، ونكأها لهذا الجرح النازف الذي يشوه كثير من البيوت في عالمنا العربي خاصة، من دون بقية دول العالم سواء المتحضرة أو المتخلفة (رغم اننا مسلمين). أنا استغرب عندما تكون ربة البيت امرأة كسولة وعلى استعداد للاستهانة بإنسانة مثلها وذلك باستعبادها لها بما يسمى بتوظيفها (كخادمة) مقيمة في بيتها، لا أريد ان أدخل في التفاصيل فكلنا نعرف حتى ولم لم نر ما يحدث لأي خادمة، يمكننا ان نتخيل صنوف الظلم الذي تعاني منه مضطرة، وحتى ولو ظنت صاحبة البيت انها تفعل خيرا لانها ببساطة لا يمكن ان تحميها من المشاكل التي تقع عليها من افراد الاسرة الاخرين.
تجد ربة المنزل أسيرة للمظاهر وقبل ذلك الكسل كما أسلفت، تجدها أوكلت كل شئون منزلها، بل إنني سمعت من لا تتورع في التظاهر بعدم العلم عندما تلعب الخادمة دور العشيقة لزوجها كي لا يتزوج عليها أو حتى لا يلجأ لخيانتها خارج البيت مع امرأة غير (مضمونة)، ومنهن من تغض الطرف عن تحرشات أبنائها المراهقين بخادمتها وتتظاهر بعدم المعرفة، لهذه الدرجة أوكلت بعض النساء في عالمنا العربي كل أمور بيتها للخادمة (وا اسفاه، ويا لضياع اجيال المستقبل)، وهذه الأمثلة للأسف نجدها في جميع الدول العربية تقريباً، وخصوصا طبقة الأثرياء، كل مهام المنزل تقوم بها الخادمة، وسيدتنا الحرم المصون بنت الذوات تتفرغ تفرغا تاما للنوم والإدمان على مشاهدة التلفزيون والحكي الفارغ في الهاتف والدردشة (إلا من رحم ربي).
ويقيني إذا أدركت أي امرأة مقدار الذنوب التي تجلبها على نفسها وعلى بعض أفراد أسرتها من استعبادها لخادمة فقط بالمكوث في بيتها، لفكرت ألف مرة قبل ان تصر على المطالبة بخادمة، هذا إذا كانت تدرك معنى ان الظلم ظلمات يوم القيامة، فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا.
المرأة الهميمة، هي تلك المرأة التي تحرص على ان تطعم أفراد أسرتها من طبخ يدها، والمرأة التي تعرف مصلحة وأهمية تربية طفلها الرضيع والبقاء إلى جانبه اكبر ساعات ممكنة في اليوم هي التي لا توكل هذه المهمة الخطيرة للخادمة، والمرأة الهميمة هي التي إذا اضطرتها الظروف للعمل، تعرف كيف تنظم وقتها داخل وخارج البيت بنوع راقي يشبه الفن ونكران الذات (كما لمسنا ذلك في امهاتنا العظيمات ايام الزمن الجميل)، هي المرأة التي إذا شعرت ان أسرتها ستتضرر من عملها تختار المكوث في البيت إلى جانب أطفالها، لأنها تعرف ان هذه المهمة هي أعظم من العمل في أرقى الشركات ونيل ارفع المناصب، هي المرأة التي تعرف ان رعاية أطفالها مسئولية عظيمة سيسألها عنها الله يوم القيامة وطبعا سيسأل عنها ايضا زوجها الطروطور لعدم اكتراثه لإهمال زوجته أطفالها، هي المرأة التي تدرك ان الأم مدرسة إذا أعدت أطفالها وربتهم تربية سليمة وتعهدتهم بالاهتمام والرعاية والحنان، سيشبوا أبناء صالحين ليسوا غريبي الأطوار وقليلي الأدب ومخربين للممتلكات العامة ومجرمين ومدمنين لأي سلوكيات سيئة، هي التي تعلم ان أساس أي مجتمع صالح ومتطور هو أبناء واعين ينفعون المجتمع وينفعون الأسرة لان الأسرة هي لبنة وأساس كل مجتمع، اسر خالية من الامراض الاجتماعية.
المرأة الواعية هي التي تختار إذا أجبرتها الظروف على الاستعانة بخدمات شخص آخر (خادمة او عامل)، ان تلجأ لمكاتب خاصة لساعات محددة في اليوم مقابل أجر مجزي. والمرأة التي تخاف الله هي التي لا تستعبد خادمة بإبقائها معها في بيتها أبدا (حتى ولو رضيت الخادمة) تورعا من الوقوع في المحظور دون ان تعلم، هي المرأة التي لا تلجأ للخادمة إلا إذا تم فتح مكاتب تشغيل خادمات بالساعات، وان تنتظر حتى يحظر بلدها إقامة الخادمات في بيوت المواطنين إلا في ظروف استثنائية وخاصة، ويزيد من افتتاح دور حضانة اطفال بالقرب من اماكن العمل، وحتى يصبح بلدها مثل استراليا وأمريكا وكل دول أوروبا التي لديها قوانين ونظم ولوائح تحول دون إيقاع الظلم بالخادمة وحفظ حقوقها وتوقع عقوبات صارمة جدا بأي شخص تسول له نفسه ظلمها.
وأترككم مع مقال الكاتبة الرائعة المخضرمة سوزان المشهدي في جريدة الحياة اليوم. وللإطلاع على المزيد من مقالات الكاتبة ومشاهدتها: http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/24788
· لا تجعلوني مجرمة!
الأحد, 07 يونيو 2009
سوزان المشهدي
لن تحل مشكلة الخادمات إلا باعترافنا الصريح والشفاف بأننا لم نتخذ أي إجراءات لضمان حقوق الخادمات، وكنت قد وعدت نفسي بألا أكتب في هذا الموضوع ولكن بعض التصريحات تستفزني بشدة ما دفعني اليوم للعودة.
ناقش المذيع اللامع علي العلياني موضوع الخادمات قبل أيام عدة في برنامجه «يا هلا»، والحقيقة وعلى رغم ان النقاش كان شفافاً وصريحاً إلا أنه لم يتضمن أي وعد بإجراءات تضمن سلامة الخادمات من الضرب والتحرش الجنسي وهدر الحقوق، التي من أهمها حصولها على راتبها في موعده الطبيعي آخر الشهر، والسماح لها باستقبال رسائل ذويها والسماح لها بالاتصال بأسرتها والتكفل بوجود مكان محدد لها كغرفة مستقلة لها مفتاح، وعدم السماح لأي فرد بالتلفظ عليها أو ضربها، وتحديد مواعيد لعملها مع السماح لها بإجازة أسبوعية.
نعم لم نتخذ أي إجراءات وطلعنا من البرنامج بتحذيرات مشددة من الخادمات المتوحشات واكتفينا بالدعوة إلى معاملتهن بصورة إنسانية فقط، من دون تحديدها ومن دون وعد باتخاذ إجراءات معينة، منها وجود لجنة رسمية في المطارات ومنافذ الدخول مهمتها استيفاء بيانات الكفيل كاملة، منها كروكي للمنزل وأرقام هواتفه، سواء العمل أم المنزل، وأن يسلم للخادمة كتيب يوضح حقوقها بلغة بلدها، وأن يتضمن هواتف ثابتة (ترد)، وأن يكون لها خاصية تسجيل المكالمات الواردة لتتمكن اللجنة من معرفة مكان المتصل ووضع خطة لإنقاذه أو التدخل قبل تدهور الأوضاع.
هذه الاحترازات هي وحدها التي تزرع الأمان والطمأنينة في قلوب الخادمات، وهي التي ستحد بحول الله من جرائم الاختطاف والانتقام التي من أهم أسبابها (تأجيل إعطاء الحقوق والاستهتار بها وسوء المعاملة وغيرها). فرحنا كثيراً بعودة مها إلى أهلها وانتهاء هذه المأساة وسرعة إنقاذ الفتاة تحسب لرجال الشرطة ولكن...ستظل المشكلة كما هي، فوالد الطفلة يقول إنها تسلمت رواتبها وزوجته تقول إنهم كانوا يجمعون لها رواتبها بحسب طلبها لتأخذها وقت سفرها! سيبقى التساؤل ولن تبقى حالة فردية ينبغي تنظيم العلاقة بين الخادم والمخدوم، يكفي ما أسمعه من بعض الأشخاص أن الخادمة لم تغادر المنزل من سنتين! يكفي أن استمع إلى مباهاة بعض السيدات بأن الخادمة لا تأكل إلا بعد انتهائهم من الطعام؟ يكفي أن أعلم أن بعض الخادمات تنام في المطبخ ومعرضة لسخافات بعض المراهقين! يكفي أن اعلم أنها جاءت إلى أرض الحرمين ولم يسمح لها برؤية الكعبة إلا في التلفزيون الذي تراه خلسة!
ختاماً لن نستطيع تغيير ما لا نعترف به وستسمر مشكلاتنا مع الخادمات إذا لم تغير ثقافة الحقوق ونسارع لعمل إجراءات تشعر الخادمات بأنهن في حضن دولة مؤسسات لن تقبل بهضم حقهن وعندها لن نسمع عن حوادث انتقامية كرد فعل طبيعي لإنسان قليل المهارات ويائس أعيته السبل وأعماه الغضب ودفعته دفعاً ليكون مجرماً!
0 التعليقات:
إرسال تعليق