امتدت يداي في تناغم شبه مبرمج ناحية الريموتين، وتحرك إصبعي السبابة نحو زريّ الطاقة، وما هي إلا ضغطة إصبع واحد بشكل متزامن، حتى دبت الحياة في أوصال جهازيّ التلفزيون والريسيفر، وانبجس ضوء التلفزيون وصوته في آن معا، كانت ارقام ساعتي الرقمية المضئية تشير إلى تمام الخامسة صباحاً... أطلت المذيعة في قناة (السي إن إن) مخلخلة معادلة الصمت، وأخذت تتلو خبر مقتل اوكامبو الذي اغتيل في ظروف غامضة في مكتبه بمنزله بطلقة واحدة في منتصف جبهته، وشاهدت عبارة (خبر عاجل) في أسفل الشاشة، عندها نهضت منتفضا وجلست على السرير، وأخذت أتابع توابع الخبر الزلزال بانتباه شديد.
بعد ذلك ظهرت صورة مراسل القناة في الزاوية اليسرى العليا من الشاشة، بينما تم تصغير صورة المذيعة في نافذة أخرى، وأخذت تمطر المراسل بشواظ من الأسئلة الساخنة، والمراسل يحاول بقدر الإمكان توضيح الصورة للمشاهدين، وشرح ملابسات الجريمة حسب المعلومات التي توفرت لديه، ثم ظهرت في الزاوية اليسرى السفلية نافذة صغيرة جديدة ظهر فيها مفوض شرطة المدينة وهو يرد على أسئلة الصحفيين، فاستأذنت المذيعة المراسل لمتابعة اللقاء الصحفي مع مفوض الشرطة، الذي اكتفى بتقديم تفاصيل مقتضبة عن جريمة القتل، ثم ختم حديثه مصرحاً أن التحقيق ما يزال جاريا لكشف ملابسات الجريمة، مؤكداً أنهم لن يألوا جهدا لإماطة اللثام عن الجريمة، والقبض على المجرم المتسبب في هذا الفعل الجبان والبشع.
وبعد ان استعرضت المذيعة مهاراتها، وقالت كلاما كثيراً ومثيراً يدور كله حول الحادثة المفاجأة، أجرت اتصالاً بالسفير السوداني الدائم لدى الأمم المتحدة، وأخذت ترميه بجحافل أسئلتها السريعة في حوار دونه التحقيق، ثم قالت له ان هناك شائعات اخذ البعض يتداولها عن إمكانية تورط السودان في عملية القتل المريبة بطريقة أو بأخرى، فانبرى سفير السودان في الأمم المتحدة محاولاً باستماتة نفي التهمة الجائرة عن بلاده، ولم ينس التطرق للحديث عن المؤامرة ودول الاستكبار، ثم وجه الاتهام بشكل مباشر إلى الموساد الإسرائيلي وهو يغلي ويزبد.
تُرى من قتل اوكامبو؟
هل هي المخابرات السودانية، لإسكات صوت اوكامبو للأبد؟
أم الموساد الإسرائيلي فعلها لتوريط السودان في الجريمة؟
أم يا تُرى الفتاة التي اتهم بتحرشه بها، والتي شوهدت قبل ايام بالقرب من مكتبه، والتي ايضا تحوم الشبهات حول اغداق الموساد عليها بكمية كبيرة من فئات الاخضر الذي يسيل اللعاب لتنفيذ هذه الجريمة ذات الغرض الثلاثي الاهداف؟
هل هي المخابرات السودانية، لإسكات صوت اوكامبو للأبد؟
أم الموساد الإسرائيلي فعلها لتوريط السودان في الجريمة؟
أم يا تُرى الفتاة التي اتهم بتحرشه بها، والتي شوهدت قبل ايام بالقرب من مكتبه، والتي ايضا تحوم الشبهات حول اغداق الموساد عليها بكمية كبيرة من فئات الاخضر الذي يسيل اللعاب لتنفيذ هذه الجريمة ذات الغرض الثلاثي الاهداف؟
وربما جهات أخرى قتلته لعدم تمكنه من خطف البشير الذي سافر مؤخراً لأكثر من ثلاثة دول وكأنه يخرج لسانه في استفزاز صريح إلى اوكامبو ويضحك عليه وعلى تخاريفه؟
أسئلة اثارها احد المحللين السياسيين الذي اتصلت به المذيعة مباشرة، وقبل ان يكمل هذا المحلل تساؤلاته التابلوهية، إذا بي استيقظ مذعورا من نومي وأنا أبسمل وأحوقل مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم الذي ربما كان له دور مؤامراتي في هذا الكابوس اللعين الذي ألمّ بي. وبعد ان فركت عينيّ، ولاحظت ان كل شيء في الغرفة كان هادئا... والصمت يسيطر على ذمام الامور، وكذلك ملاحظتي لصمت جهازيّ الرسيفر والتلفزيون وربما اوكامبو أيضا... كلهم كانوا يغطون في نوم عميق، ايقنت ان ذلك الفصل الدرامي كان فعلا من الاعيب الشيطان ومؤامراته العديدة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق