هل أنت متخلف مثلي؟
لا تهم جنسيتك أو لغتك أو لأي بلد تنتمي...
المهم أن تكون متخلفا مثلي وتنتمي لكوكب متخلف.
ها هو الحل قد أتاك على طبق من ذهب، مقدم إليك في عقر دارك ومن خلال الشاشة البلورية لكي يساعدك لتنعتق من ربقة تخلفك، ولتتعلم كيف يعيش الناس فن الحياة في اليابان، ولقد صدقت مقولة توفيق الحكيم القديمة حينما قال انه رأى إسلام ولكنه لم ير مسلمين في فرنسا ولكن هذه المرة تنطبق المقولة على اليابان.
لأول مرة في حياتي اعرف أنني متخلف لأقصى درجات التخلف (ربما تخلف وسط)، وقد فضح تخلفي هذا برنامج خواطر 5 اليومي الذي يقدمه المذيع الجميل احمد الشقيري في قناة الام بي سي، وتوقيت البرنامج مع مواعيد الإفطار بتوقيت الرياض، وهو عبارة عن مشاهدات حية لواقع الحياة اليومي الذي يعيشه الفرد الياباني.
وعرفت أن للشعب الياباني طقوسا مميزة لها علاقة بالنظام يتبعها عندما يمارس معظم اموره في الحياة، وكيف تتفتق أذهانهم عن ابتكارات مذهلة أصابتني بالانبهار حد الاندهاش.
ودعوني ابدأ من آخر حلقة وهي حلقة اليوم، وقد تناول فيها مقدم البرنامج طقوس التعليم في مدارس الأطفال، أو ما يعرف بالمدارس الابتدائية. بدءا من الكيفية التي يتم بها توصيل الطفل إلى المدرسة، وكيف يقوم موظف مختص تابع للمدرسة بالوقوف في الشارع ممسكا بعلم مميز لتمكين الأطفال من عبور الشوارع وصولا إلى المدرسة حفاظا عليهم من الحوادث، وكيف يتعامل المعلمين مع التلاميذ في أدب واحترام جم، وحرص مدير المدرسة على الوصول للمدرسة قبل نصف ساعة من الدوام ليقف بنفسه على كل شيء، والنظام الذي يدل على الاحترام المتبع في معاملة المدرسين للتلاميذ كأنهم رجال كبار ومخاطبتهم بكلمة أستاذ تسبق اسمائهم، وكيف يجلس التلاميذ في الفصل بطريقة منتظمة وفي منتهى الأدب، وعندما يريد التلميذ المشاركة في الحصة، هناك طرق معينة لرفع اليد تفيد بما يريد أن يقوله التلميذ، فمثلا هناك طريقة معينة لرفع اليد تفيد بأن الطالب فهم المعلومة ويريد المشاركة، وطريقة تفيد بأن الطالب لديه اعتراض وهكذا، وكيف استعاضوا عن جرس الحريق الذي ينتشر في مدارس كواكبنا المتخلفة بموسيقى. وكيف يخرج التلاميذ في شكل طابور وبنظام دقيق عند انصرافهم في نهاية الدوام المدرسي، والطريقة التي يحيّون بها الناس باحترام عندم مقابلتهم في الشارع.
وشاهدت في إحدى الحلقات عرض لنظام حمامات موجود في اليابان، وهو نظام متطور جدا، فأنت عندما تدخل الحمام لقضاء حاجتك وإذا كنت تنتمي للكواكب المتخلفة ستذهلك الأزرار والالكترونيات التي تجعلك تقوم بأداء عملية إخراج في غاية السلاسة واليسر، ومن ضمن هذه المكتشفات المتميزة انه يوجد زر لإصدار صوت اندفاع المياه في السايفون لسحب الفضلات، فهذا الصوت عندما تشغله يجعلك تخرج ريحك وأنت مطمئن الى أن أي شخص خارج الحمام لن يسمعك لأن صوت ضراتك (ريحك) سيمتزج مع الصوت الصناعي لحركة اندفاع المياه في السايفون ويذهب إدراج الرياح او ادراج الازعاج الايجابي، ويتحول لمكون لا يتجزأ من المؤثرات الصوتية الصادرة، وهناك زر يمكنك به رفع الصوت إذا كان صوت (ضرتتك) عاليا، إضافة لزر تستطيع أن تضغطه لتضوع رائحة عطر تغطي على عفونة فضلاتك النتنة، وغيرها من الأزرار وكل زر له وظيفة مذهلة.
وشاهدت في إحدى الحلقات كيف يستغلون أي مساحة ممكنة للانتفاع بها في مدنهم، وكيف يشيدون ملاعب كرة القدم في أسطح البنايات مجهزة بشبك يحيط بها من جميع الجهات لمنع الكرة أن تطير. وشاهدت كيف تقوم بلديات المدن بوضع ممرات بلاستيكية بارزة ليسير عليها الكفيف للوصول إلى اماكن ضرورية بعينها من دون مساعدة احد لدرجة أن بإمكانه ركوب المترو دون أن يتعرض لحادث، وكيف تتوفر كتب تقدر بعشرات الآلاف في المكتبات مكتوبة بطريقة بريل في مختلف المجالات، وبالإضافة لتزويد كتب الأطفال الكفيفين بالحروف البارزة فهي مزودة أيضا بصور بارزة يستطيع الكفيف التعرف عليها عندما يمرر يده عليها. وكيف يقومون بإيقاف سياراتهم في الجراجات بطريقة آلية مبتكرة، وكذلك الدراجات الهوائية المنتشرة عندهم بكثرة يمكن إيقافها في مواقف خاصة الكترونية تحت الأرض تعمل بالبطاقات الممغنطة. وأما عن نظام سيارات الأجرة فحدث ولا حرج فهذا عالم مبدع بحاله.
هذا غيض من فيض من طقوس الحياة والفنون الرائعة التي يستعرضها البرنامج كل يوم فيما يشبه الخيال. يعكس لنا كيف أن الإنسان الذي ميزه الله بالعقل يمكنه أن يفكر في أمور لا تخطر على البال، فقط إذا روض الإنسان عقله وتوفرت له البيئة الصالحة التي تجعله يبدع ويكتشف ويأتي بالمثير والمبدع من الابتكارات، خصوصا أهمية هذا التوجه بالنسبة للأطفال صغيري السن حتى ينشئوا على النظام ويرضعوا كيفية التفكير المثمر والنظام منذ نعومة أظفارهم.
واعتقد أن من فاتته الحلقات يستطيع مشاهدتها في موقع قناة الام بي سي من خلال صفحة خاصة للبرامج التي قدمت سلفا. ومن هذا المنبر أهيب بالوزراء في مختلف المجالات في عالمنا العربي وعلماء الدين وكل صناع القرار متابعة هذا البرنامج الهام، حتى يحاولوا أن يقلدوا ما توصل إليه اليابانيين لنسير حياتنا اليومية بطرق مبتكرة ورائعة، نستقي منهم تجاربهم لنتعلم كيف نعيش بفن. ولا عيب في ذلك، وان تقليدنا لهم لا يدعو للخجل، ما دمنا تودنا دائما ان تفكر وتبتكر لنا الامم الاخرى ومهتمنا فقط التنظير، لان الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. وبدلا من تركيز شيوخنا الأجلاء على الكلام النظري وهذا حرام وذاك حلال وهذا لا يجوز وشغل الناس بفتاوي مضحكة، وبدلا عن التركيز بشدة في ذلك أتمنى أن يوجهوا بوصلتهم إلى ما ينفع الأمة الإسلامية بشكل عملي وملموس ويشجعوا الناس على الإتقان في العمل حتى لا يصبح هناك وقت للناس للالتفات للمحرمات، ولعمري هذا من صميم تعاليم الإسلام وهناك كثير من الآثار النبوية التي تعظم العمل وإتقانه.
لا أريد أن أطيل عليكم (البربرة) فلحسن الحظ اكتشفت بالصدفة أن بعض الإخوان سارعوا الى رفع الحلقات في اليوتيوب وقد اخترت لكم بعضا منها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق