السبت، مايو 10، 2008

الحل هو التعدد

تعالت الأصوات في وسائل الإعلام المختلفة قبل فترة تنتقد الزواج الذي أجازه بعض العلماء والذي تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها بمحض إرادتها، ومعظم هذه الأصوات المنتقدة جاءت من كاتبات مثقفات يتحدثن بغير علم فقهي ويعترضن على فتاوى أصدرها علماء ثقاة استندوا إلى أحكام فقهية شرعية ليجيزوا مثل هذا الزواج والذي لم يطلقوا عليه اسما معينا لا مسيار ولا غيره، بل عُرّف بأنه عقد زواج تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة والقسم أو بعض منها وترضى بأن يأتي زوجها إليها في أي وقت شاء من ليل أو نهار على ان تظل المرأة في بيت أهلها أو بيتها أو أي مكان آخر يلتقيان متى رغبا في ذلك، وهذا العقد صحيح إذا توافرت فيه أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع.

لا أرى أي غضاضة إذا أقدمت أي امرأة بمحض إرادتها نتيجة لظروف معينة تعيشها رغم انها تعلم تمام العلم ان مثل هذا الزواج لا يحبذه الكثيرون في المجتمع لكن الذي دفعها إلى ذلك هو بلا شك ظرف قاهر، فيجب عندما نناقش مثل هذه الأمور ان لا ننظر إليها نظرة عاطفية وان نضع في أذهاننا ولا ننسى ان الناس يختلفون حسب ظروفهم ونظرتهم لتقبل الأمور، وللأسف الشديد ان معظم من ينتقدون مثل هذا الزواج، معظمهن نساء متزوجات غير مكتويات بنيران مثل هذه الظروف، فلا بأس ان تكون هناك خيارات عدة ما دام هذه الخيارات شرعية، فمن أرادت ان تتزوج بمثل هذه الطريقة فمن حقها ذلك ومن لم ترد فلا أحد يجبرها بطبيعة الحال، على أن تتوافر حسن نية المُقدمين على مثل هذا الزواج من الرجال والنساء، والالتزام بتقوى الله وحدوده والالتزام بالآداب الشرعية والوفاء بالعقود والعهود، وإيفاء كل من الزوجين حقوق الآخر وان يكون الهدف إنشاء أسرة تظللها المودة والرحمة والسكينة وتربية الأبناء تربية سليمة قائمة على الآداب الإسلامية والأعراف المرعية الشرعية، قال صلى الله عليه وسلم (ان أحق الشروط ان توفوا به ما استحللتم به الفروج، وقال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وهذا الهدي ينطبق على أي زواج شرعي.

أليس من الأفضل على من لا يحبذ مثل هذا الزواج أن يشجع على ثقافة التعدد كما تشجع كثير من المجتمعات على الإباحية الجنسية والتي هي فطرة في اغلب المخلوقات بدلا من انتقاده، وبذلك لن يجد كثير من الرجال المتزوجون حرجاً في التعدد وبالتالي لا يلجئون إلى المسيار لإخفاء زواجهم عن زوجاتهم أو لجوء البعض للعلاقات المحرمة، أليس هذا أفضل من نقد الفقهاء الذين ذكّروا بإباحة مثل هذا الزواج عندما تفاقمت العنوسة؟ أدعو كل الكاتبات والنساء اللاتي ينتقدن مثل هذا الزواج ان يدعين بنات جنسهن خصوصا المتزوجات أن لا ينكرن حاجة غير المتزوجات للزواج، ولا ينكرن رغبة أزواجهن في التعدد شرط أن تتأكد الزوجة أن رغبة زوجها صادقة لمساعدة هؤلاء النسوة وابتغاء مرضاة الله، وان تعدده ليس بقصد الإضرار بها، فما المانع أن تتصف كل امرأة متزوجة بنكران الذات وتسمح لزوجها بل تشجعه على ذلك إذا كانت تثق في نوايا زوجها، فتحثه على الزواج من إحدى صديقاتها أو قريباتها على سبيل المثال من اللاتي هن في أمس الحاجة لذلك كالأرامل والمطلقات والمتقدمات في السن.

التعدد اكبر من مجرد نزوة أو إشباع رغبة جنسية عابرة كما تظن معظم النساء، انه ناموس كوني وأقدار مسطرة وحيوات جديدة، وفطرة فطرها الله في معظم مخلوقاته لحكمة يعلمها الله ومن ابسط هذه الحكم التكاثر، وان تضع كل امرأة متزوجة نفسها مكان أختها العانس وتتخيل العذاب النفسي الذي تعانيه، إن تشجيع الزوجة زوجها للتعدد لهو من أسمى آيات الإيثار والتآخي والمودة والتراحم بين البشر وبين النساء على وجه الخصوص، ومنتهى الخضوع لأوامر الله حيث جاءت آية إباحة التعدد بصيغة الأمر: (انحكوا) ولتضع كل امرأة متزوجة في حسبانها أنها إن أقدمت على ذلك تكون نعم المرأة المسلمة المثالية التي تحب لغيرها كما تحب لنفسها وتمتثل لهدي الله عز وجل عندما أمر بالزواج مثنى وثلاث ورباع حيث قال جل شأنه في الآية ما معناه إن خفت أيها الرجل أن لا تعدل فواحدة، أي بمعنى إذا لم نخف فلتعدد وتتوكل على الله، شرط ان يلتزم الزوج بالعدل بقدر الإمكان لأن صفة العدل المطلق هي لله فقط، وان يكون زواجه بنية العبادة وليس مجرد تباهي بفحولته او لاغراض وقتية دنيئة او لمجرد نزوة جنسية فقط، ولا يكون تعدده بقصد الإضرار بزوجته الأولى كما يفعل كثير من الرجال للأسف.

إن شيوع ثقافة التعدد ستجعلنا مثالاً وغدوة للمجتمعات المتراحمة والمتماسكة، ويجب ان لا تنساق نساؤنا لدعاوى وتخرصات الغرب التي تعيب علينا التعدد نفاقاً، حيث أن معظم أفراد مجتمعاتهم يمارسونه ولكن بطرق سرية وفاسقة حيث يتهرب الرجل من الإنفاق على خليلته التي يقيم معها علاقة بالاضافة الى زوجته فلا يعترف بعلاقته بها، ثم يرمي بها إلى الشارع ما أن يسأم منها ويقضي وطره منها ليقيم علاقة أخرى سرية مع امرأة أخرى، وإذا وعت كل امرأة متزوجة ذلك وآمنت به فسوف يقل عدد العوانس ومظاهر الفسوق والتحلل، ولن يلجأ الأزواج للزواج بالسر أو للعلاقات المحرمة، وبهذا نسهم في القضاء على التفكك والعلاقات الآثمة، وسوف تجد الأرامل والمطلقات من يتزوجهن بسهولة ويسر ولنا في رسول الله أسوة حسنة، وستزول الكثير من السلبيات والتي نجمت عنها تعقيدات كثيرة تواجهها العوانس المتقدمات في السن والمطلقات والأرامل الذين تقل حظوظهن في الزواج من الشباب، ونتيجة لهذه العادات والتقاليد المجحفة والبالية ظهرت سلوكيات يشيب لها شعر الولدان من انحلال وتفسخ أخذ يسرى في مجتمعاتنا المسلمة المحافظة والدليل على ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام قبل فترة ضمن قضية إثبات نسب امرأة لابنتها من ابن ممثل مشهور في مصر، حيث ذُكر ضمن ذلك الخبر ان هذا الحكم سيعطي الفرصة لإثبات نسب أكثر من 14 ألف طفل مصري (جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 26/5/2006م) انتهى الخبر.... وما من شك ان معظم هؤلاء الأطفال ولدوا كثمرة لعلاقات جنسية غير سوية بين رجل وامرأة تشبه كثيرا العلاقات الجنسية في الغرب في إساءة صارخة لقدسية الزواج، وهذه الظاهرة التي أصابت المجتمع المصري وتطاير شررها إلي مجتمعات أخرى تنذر بالاستفحال والحبل على الجرار، اعتقد ان الوقت قد حان لاحتواء مثل هذه الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا المحافظة والتي لا تشبه أخلاق المسلمين المؤمنين، وان أكثر الحلول نجاعة لهذه المشكلة هو التعدد والإذعان لحكمة الخالق عز وجل في هذا الصدد وعدم التصادم مع الطبيعة والذي يؤدي إلى خلل لا محالة.

لقد كان الناس قبل الإسلام يتزوجون من شاءوا من النساء بغير قيد أو شرط، كان يحدث ذلك في كل بقاع الأرض تقريبا ومنذ بدء الخليقة وكان ذلك أمراً طبيعياً لان التعدد هو الأصل حيث كان للنبي سليمان عدد كبير من الزوجات ومعظم الأنبياء كانوا معددين، وكذلك كانت المرأة تتزوج أكثر من زوج، حتى جاء الإسلام فوضع حداً لهذه الفوضى في التعدد وشرط له شروطاً. فأما الحد فجعل أقصى العدد أربعاً لا يزاد عليهن بحال: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" (النساء: 3)، ولما أسلم رجل من ثقيف ومعه عشرة نسوة، أمره الرسول صلى الله عليه سلم أن يختار منهن أربعاً، ويطلق الباقي. وأما الشرط، فيتمثل في ثقة الرجل في نفسه بالعدل (وعدم الخوف)، وإلا حرم عليه الزواج بالمرأة الأخرى: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة "(النساء:3). هذا إلى جانب توافر الشروط الأخرى لأي زواج، مثل: القدرة على الإنفاق، والقدرة على الإحصان الخ. وإنما أباح الإسلام ذلك؛ لأنه دين واقعي لا يحلّق في مثاليات حالمة، ولا يترك مشكلات الحياة دونما علاج مقدور عليه. فالزواج الثاني قد يحل مشكلة عند الرجل الذي لا تنجب امرأته، أو تطول عندها فترة الحيض، وهو قوي الشهوة، أو يصيبها المرض، ويستمر معها، ولا يريد أن يطلقها، إلى غير ذلك. وقد يحل مشكلة عند المرأة الأرملة التي يموت زوجها ولا تطمع في الزواج من شاب لا زوجة له، ومثلها المطلقة وهي شابة، وخصوصاً لو كان لها طفل أو أكثر. وقد يحل مشكلة عند المجتمع كله، عندما يزيد عدد النساء الصالحات للزواج عن عدد الرجال القادرين على النكاح، وهذا قائم باستمرار، ويزداد تفاقماً بعد الحروب ونحوها. فماذا نفعل بالعدد الفائض من النساء؟ إنها واحدة من ثلاث: (1) إما أن يقضين العمر كله محرومات من حياة الزوجية والأمومة، وهذا ظلم لهن، والمنطق يقول أن الشاب دائما يبحث عن زوجة شابة صغيرة في السن، والمنطق يقول أيضا أن معظم الرجال المتقدمين في السن والمناسبين لها متزوجين. (2) وإما يشبعن غرائزهن من وراء ظهر الدين والأخلاق كما يحدث في الغرب، وهذا ضياع لهن. (3) وإما يقبلن الزواج من رجل متزوج قادر على النفقة والإحصان، واثق بالعدل، وهذا هو الحل المناسب. أما سوء استعمال هذه الرخصة أو هذا الحق، فكم من حقوق يساء استخدامها، ويتعسف في استعمالها، ولا يؤدي ذلك إلى إسقاطها وإلغائها. الزواج الأول نفسه كم يساء استخدامه، فهل نلغيه؟ الحرية كم يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ الانتخابات يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ السلطة.. أياً كانت يساء استخدامها، فهل نلغيها ونترك الحياة نهباً للفوضى؟ إن الأولى – بدل أن ننادي بإلغاء الحق – أن نضع الضوابط لاستخدامه، ونعاقب من يسئ لذلك قدر المستطاع.

0 التعليقات:

إرسال تعليق