السبت، فبراير 07، 2009

السمكة والسلحفاة

كان يا ما كان في قديم الزمان سمكة، ولأنها سمكة فقد قضت جل حياتها في الماء، ولم تكن تعرف شيئاً أياً كان عن أي شيء إلا الماء. وفي احد الأيام، وبينما كانت تشق طريقها سابحة كدأبها دائما في البركة، التقت سلحفاة كانت قد تعرفت عليها سابقا، والتي عادت لتوها من رحلة قصيرة على اليابسة.


ابتدرتها قائلة: "يومك سعيد أيتها السلحفاة، لم أرك منذ مدة طويلة، أين كنت؟"

"آه، لقد كنت في رحلة قصيرة على اليابسة".

صاحت السمكة في نبرة استغراب: "على الأرض اليابسة! ماذا تعنين بقولك على اليابسة؟ لا توجد أرض يابسة. إنني لم أر شيئاً كهذا قط في حياتي. إن الأرض اليابسة هذه ما هي إلا مجرد وهم".

ردت عليها السلحفاة بأدب جم: "حسناً، إذا كنت تعتقدين ذلك، فهذا شأنك؛ وليس باستطاعة احد منعك. ولكن ذلك هو المكان حيث كنت، والمسألة لا تشكل فارقاً كبيراً بالنسبة لي، إذا صدقتي ما أقول أم لم تصدقيه".


قالت السمكة في تهكم واضح: "أوه، تعالي هنا. حاولي أن تقولي لي شيئاً منطقياً، هلا شرحتي لي الآن كيف تبدو أرضك اليابسة تلك؟ هل هي مبتلة؟"

"لا، ليست مبتلة".

"هل جوها عليل ومنعش ورائع؟"

"لا، ليس عليل ومنعش ورائع".

"هل هي صافية بحيث يتسلل الضوء عبرها؟"

"لا أنها ليست كذلك، فالضوء لا يمكنه التسلل عبرها؟"

"هل هي طرية وطيعة، أستطيع أن أحرّك زعانفي عبرها وادفع أنفي من خلالها؟"

"لا، أنها ليست طرية وطيعة. ولا تستطيعين السباحة فيها".

"هل هي دائمة الحركة أم تتدفق في شكل تيارات؟"

"لا هذا ولا ذاك، لا هي بالمتحركة ولا هي بالمتدفقة في شكل تيارات".

قالت السمكة وقد نفد صبرها لسماعها هذه اللاءات من السلحفاة: "هل يحدث أن تعلو فيها الأمواج، مكونة رغوة بيضاء؟"

ردت السلحفاة: "كلا!، ليس فيها أمواج تعلو مكونة أمواج أبداً".

قالت السمكة بلهجة المنتصر: "ألم أخبرك أن يابستك هذه لا وجود لها؟ لقد سألتك لتوي، وأجبتني لا هي بالمبتلة ولا بالباردة، وليست بالشفافة ولا بالطيعة، وأنها لا تتدفق في شكل تيارات، ولا تعلو في شكل أمواج، فإذا لم تكن أي واحدة من هذه الأمور، فما هي إلا سوى لا شيء على الإطلاق".


قالت السلحفاة: "حسناً، إذا كنت تصرّين على اعتقادك أن اليابسة لا شيء، اقترح عليك أن تتمسكي باعتقادك هذا. ولكن أي واحد يدرك ما هي الماء وما هي اليابسة، سيصفك بأنك ما أنت إلا سمكة سخيفة وعنيدة، لأنك تظنين أن أي شيء لا تعرفينه هو فقط مجرد لا شيء، فقط لأنك لم تعرفيه".

عند ذلك لم تجد السلحفاة بُدٌ من الاسترسال في الحدث مع مثل تلك السمكة الغبية فارتدت على أعقابها، تاركة السمكة وراءها في بركتها تلك ذات المياه القليلة تعمه في غبائها، ويمّمت شطر اليابسة التي لا هي بالشيء، في رحلة استكشافية أخرى من رحلاتها الميمونة.